رغم اعتذار رئيس تحرير صحيفة كيهان الايرانية حسين شريعتمداري للمرجع الديني السيد علي السيستاني وتراجعه عن مقاله النقدي ، عازيا تسرعه في نقد مواقف المرجع السياسية الى عدم اطلاعه الدقيق على النص الاصلي لبيان مكتب المرجع بعد لقائه ممثلة الامين العام للامم المتحدة جينين بلاسخارت ،لكن عاصفة النقد المضاد التي عصفت بموقف شريعتمداري لم تتوقف داخل ايران رغم انحسارها السريع في العراق ،الناقدون هذه المرة لشريعتمداري كان مجموعة من الناشطين السياسيين والمدنيين الايرانيين الذين اصدروا بيانا بعد اعتذار شريعتمداري (ذكّروا فيه )بمعالم (النظرية السيستانية )في الادارة والحكم ،والعقلانية السياسية العالية التي تجتذبهم في رؤية السيد السيستاني ،طبعا هم لم يشيروا الى نظرية ،انما انا من يتبنى فكرة وجود (نظرية سيستانية) لادارة الدولة والمجتمع ، يمكن استشفافها وتركيبها من مجموع مواقف وبيانات وافكار المرجع ،لكنها (للاسف) لم تصبح مدار شغل المهتمين من اسلاميي العراق ،وسبب ذلك ان جيلهم الغارب مات فكريا ، وجيلهم الثالث الحالي لايتبنى الرؤية السيستانية بل يتبنى الرؤية التي عبر عنها شريعتمداري،فهم مجتمعون ومنظمون على رؤية لاتقيم للواقع الاجتماعي والسياسي والاقليمي والدولي وزنا ، بل هم ثائرون على كل شيء ، ويتبنون التغيير الصادم وفرض منهجهم بمنطق القوة ، بدعوى ان العدو الذي هو جزء من النظام الدولي ،الظالم والمتغطرس والمتركب لمصلحة الطغيان والرأسمالية والقوة المستكبرة في العالم لايفهم الا منطق الثأر والقوة . شريعتمداري يدافع عن رؤية يشترك معه فيها عراقيون كثر في الوسط الشيعي ، بيد ان هولاء وغيرهم يتحدثون عن طاعة المرجع الاعلى والاستظلال بظله الوارف اعلاميا والحقيقة غير ذلك ، انهم يتبنون منهجا غير منهج السيستانية ،فيما المرجعية النجفية تتبنى منهجا يجمع غالبية العراقيين من الشيعة والسنة والكرد وباقي الاقليات على صوابيته ونجاعته في معالجة مشاكل العراق المعقدة المزمنة ،فهي لاتتبنى منطق الصراع بل تركز على مبدأ التعايش والمشتركات والحلول التفاوضية ،وبدل كراهية كل المؤسسات الدولية وبضمنها الامم المتحدة ومجلس الامن الذي يكرهه شريعتمداري ،فان السيستاني يصر على الاستعانة بالمنظمة الدولية لتوفير حماية دولية للنظام السياسي والانتخابات والشرعية الدستورية العراقية ولايرى ذلك احتكاما الى الطاغوت واستبدالا لشريعة الله بالجاهلية المعاصرة كما يسميها الفكر القطبي والداعشي ،ويدعو السيستاني الى الانتخابات الحرة النزيهة بلا حذف لأحد ولاانتقاء لمرشح قبل صندوق الاقتراع الا مانصت عليه القوانين الدستورية ، كما ان السيستاني يدعو الى الحكمة والتعقل وادارة الاختلافات سلميا ورعاية حقوق ومواقف الشركاء الاخرين والاقليات وطمأنتهم حتى لايكونوا اعداء لحكم الاكثرية ويطلبوا حماية من الاخر البعيد ، ويدعو السيستاني الى ان يكون رائد الجميع زعامات واحزاب وافراد ومؤسسات ، العمل والسعي الدائب لتحقيق العدالة والمساواة ورعاية الحقوق والواجبات ، وتمكين الدولة من القيام بوظائفها والنهوض بمسؤولياتها لمواجهة تحديات الفقر والحرمان والمرض والتخلف الاقتصادي والاجتماعي ، والتراجع الثقافي والفكري ،لقد طرح السيستاني رؤيته السياسية بشكل واضح في خطبة الجمعة يوم 4-5- 2018 في شرح واضح سميته انا في عمود نشرته الصباح بعنوان (السيستانية نظرية الدولة الاكثر حداثة ) ويومها كتبت ان هذا البيان السيستاني هو (مانفيستو) اسلامي بحق ، انقذ اسلاميي العراق من معضلة مشروع الدولة الاسلامية وتبعاته واشكالاته السياسية والمجتمعية في ظرف معقد وفي بلد اكثر تعقيدا هو العراق . السيستاني اذن صاحب نظرية ومشروع هاديء عميق مستوعب لنظريات ومشكلات وتطبيقات نظريات الدولة في الفقه السياسي الشيعي ،وقد تجاوزها جميعا لانه لم يركز على مشكلة الشرعية والمشروعية الدينية والمذهبية ، وهي نقطة الافتراق والاختلاف الايديولوجي والحزبي والمذهبي ، بل ركز على المقاصد من الحكم وفلسفته وتشريعاته ووظائفه ،فشدد على كرامة الانسان ،مطلق الانسان ،وحريته وحقوقه واحتياجاته وسبيل تطوره ونهوضه وتكامله ،انه ناظر الى الدولة الحديثة بسياقاتها الجديدة الحديثة ،من دستور وقوانين ومؤسسات واحزاب وانتخابات بقوانين عادلة منصفة ،وبعلاقات مع الخارج تقوم على التعارف والتعاون والتعايش والدفع بالتي احسن ، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبالاشتراك في فعل الخير في العلاقات الدولية ، وضمان السلم الداخلي والخارجي والتضامن في ردع العدوان والارهاب والجنون السياسي المنفلت . هكذا دعى السيستاني ،فوضع اتباعه ومقلديه ودارسيه امام نظرية فعلية ،توازي وتتجاوز نظريات الاخرين على جلالة قدرهم ومتانة نظرياتهم ،فرق النظرية السيستانية انها مستوعبة لتجارب الاخرين ومستجيبة لدواعي العقل الاجتهادي المبتكر للحلول وصانع النهايات الحكيمة في الظروف العصيبة ،اليست هذه هي دعوانا المتكررة لعقل اجتهادي ناظر بحرص لمقتضيات الزمان والمكان !!؟؟ ،الشيعة في العراق بالخيار ، ان شاءوا اخذوا من السيستاني وهو الذي يحاول نصيحتهم وارشادهم دون اكراه ولاالزام ولا تدخل تنفيذي او تشريعي ، وان شاءوا استمروا في تيههم وتخبطهم وانقسامهم وانحدارهم الى الهاوية ،فهم المسؤولون عما صنعته وتصنعه ايديهم بحاضرهم ومستقبلهم ،ولايضير السيستاني خشية البعض من منهجه وطريقته ،فالمشكلة في هذا البعض الذي يرفض الاخذ منه ويجازف بمصير امة بكاملها، لانه منتشي بقدرته على الفعل لا بقدرته على الاقناع ،فيما الدول تحتاج الى حكماء وعقلاء ذوو رؤية وروية قل ان تجدها عند غير ذوي العقول الاجتهادية الكبيرة .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha