د. علي فاضل الدفاعي||
زيارة الاربعين حدثُ غير عادي بجميع المقاييس واذا اردنا الحديث عنها فسوف نحتاج الى فرز عدة محاور لكي يُفصّل فيها الكلام، الا ان ما دعاني للكتابة بعد زيارة هذا العام هو الشعور بالمسؤولية تجاه كمية الكرم العابرة للوصف عند خدام زوار الحسين عليه السلام من اصحاب المواكب الحسينية والمتجذرة فيهم عاماً بعد آخر، مع خصوصية الظرف الاستثنائي الذي يمرُّ به بلدنا وبقية بلدان العالم من انتشار جائحة كورنا منذ مطلع هذه السنة 2020.
ان عطائهم المنقطع النظير وتفانيهم في تقديم الخدمة من غير كلل ولا ملل بل في بشاشة وترحاب وحركة دؤوبة من الجميع، وبتوزيع للادوار وتنظيم لشؤون الخدمة يجعل الانسان (الانسان) يقف عاجزاً امام هذا الساحل الواسع الذي يحتضن (المشّاية) بهذا الكمِّ المذهل من الوان العطاء النفسي والوجداني والمادي في تقديم الخدمة للزائرين المسافرين في ظل هذه الظروف الاستثنائية، وكل غايتهم هي الوصول الى كربلاء لزيارة الامام الحسين بن علي ومواساة اخته العقيلة زينب التي يصادف العشرين من صفر ذكرى رجوعها مع بقية العائلة المباركة من رحلة السبي المريرة.
لذلك أجد من المناسب ان يكون هناك سعيٌ جاد للدعوة الى حملة وطنية واسعة (رسمية وشعبية) لشكر أصحاب المواكب، والتأكيد على رسوخ قيم العطاء والتفاني في الخدمة كهوية اصيلة في نفوس الشعب العراقي مرتبطة بقضية الامام الحسين عليه السلام بامتياز، فيتشكّل بذلك ثقافة عامة ويُنظّم المزاج والحشد الجماهيري _واقعياً وافتراضياً_ من خلال المؤسسات الاعلامية والفنية الرسمية وغيرها.
ان مثل هذه الحملة وان كان هناك ثمة تطبيق على مستوى اعداد بعض اللقاءات التلفزيونية او تدوين كلمات وبيانات تصدر من بعض الجهات الرسمية والدينية الا انه يظل محدوداً ومؤقتاً لا يأخذ المساحة التي تتناسب مع مساحة زيارة الاربعين بكل عطائها المتميز.
ان ظاهرة المواكب الحسينية وبما تجسده من قيم في العطاء والخدمة يجب ان تنطلق الى مساحات مناسبة من التبجيل والتكريم، وإن كانت غنيةً عن الحاجة الى ذلك لنّبل هدفها المتفاني بحب الحسين عليه السلام الا ان الوقوف عندها واستنطاق آثارها من المختصين والتربويين لتنظيم الجو اللائق بها بعد انتهاء الزيارة يمثل استكمالاً وحفظاً لثمار هذه الهوية الحسينية التي تراعي تربية الاجيال بعد الاجيال على هذه القيم المهددة بالخطر.
إن تبنّي حملة شكر واسعة لمفهوم (الخدمة والعطاء) متجلياً بأصحاب المواكب الحسينية سيساهم بالدرجة الاولى في تعزيز الهوية الانسانية الصالحة، وغرس تربية هادفة في نفوس النشء الجديد ليمتد أثرها الى المستقبل فتكون بمثابة صمام الامان الذي يحفظ المجتمع وقيمهُ من الغزو الثقافي الذي لا ينسجم وهويتنا الاسلامية الاصيلة، ناهيك عن المساهمة في ديمومة الاثار الطيبة لهذه المناسبة السنوية الخالدة.
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)