محمد السعبري||
عندما يتوقف الانسان عن العطاء يتوقف كل شيئ في الحياة ،
وهذه الحقيقة تفسر كل منعطفات التاريخ الكبيرة ، فلماذا خارت او انحرفت الرسالات العظيمة التي اعادت بناء حياة الانسان على اسس جديدة من الخير والاصلاح كرسالة نوح وابراهيم وعيسى ومحمد صل الله عليهم اجمعين...
فاذا بالجاهلية تعود الى الانسان واذا بالطغاة من نمرود وشداد وفرعون واصحاب الاخدود وبني امية الى طغاة عصرنا يتربعون على منابر الرسالات و يتبوؤن مقاعد الحكم ويكررون مأسي الانسان .
ولكن لماذا لم تعد تلك الرسالات تبني الحضارة وتصنع الحريةللانسان؟ ولماذا جمدت او فسدت الثورات الجبارة التي سنحت بها نفوس الملايين من البشر كثورة كنقوشيون ، وبوذا وماني وسقراط ؟
فاذا بها بعد التوهج والانطلاق صارت أحاديث ترويها كتب التاريخ ولم يبق منها سوى روافد صغيرة من بعد سير عارم .
ثم لماذا ركدت او انطوت الحركات العلمية الضخمة التي شهدتها حياة البشر منذ الا ف السنين ، من حركة المصريين الذي ولعوا بدراسة النجوم وزراعة الارض ، وخلقوا الاهرامات ، الى حركة اليونان الذين خلقوا جمهورية افلاطون ومنطق ارسطوا والى حركة المسلمين العلمية التي دخلت معظم المجالات العلمية فطوروا البارود واكتشفواالجبر والمقابلة ، فاذا بها كالبحر بعد العاصفة ركود وانطواء قاس . لماذا ؟ أقدار ؟ ام حتميات ؟ ام سنن لا تجد لها تحويلا ؟ ام ماذا ؟ لا ريب ان هناك اقدار ومقتضيات وسننا مماذكرها علماء التاريخ ولكن لاريب كذلك ان اهم حقيقة تفسر هذه الظواهر التاريخية هي الحقيقة المتقدمة ( عندما يتوقف الانسان عن العطاء يتوقف كل شيئ في الحياة )فالذين حملوا الرسالات والذين فجروا الثورات والذين قاموا الحركات العلمية انما هم بشر امثال كل البشر ،
فحتى الانبياء قالوا واعترفوا ( قالت لهم رسائلهم أن نحن الا بشر مثلكم ) ولكنهم بشر اعطوا من انفسهم العطاء المتناسب مع انجازاتهم بشر عملوا الصالحات ، صبروا على الصعاب والذين جاءوامن بعدهم كانوا ايضا بشرا ، ولكنهم بشر لم يفعلوا شيئا عظيما لانهم بشر توقفوا عن العطاء الحقيقي . ان كل عظيم خلق شيئا عظيما حقق هذه المعادلة :
بشر +عطاء +عظمة
وقد يكون جهود واحد من الناس فقط هي التي فجرت طاقات مجتمع ولكن هذا الواحد كان هو الأخر بشرا ... أراد فاعطى ،فحرك المجتمع والمجتمع بدوره افراد استجابوا لهذا العطاء . أن أرادة الانسان والتي تتحول الى عطاء، فعظمته ، فحضارة ، فحركة تاريخية خالدة هذه الارادة لا يمكن تعليلها وتفسيرها ووضع قواعد لها بحيث نعرف متى منحت له الاستطاعة يريد او لا يريد ، فكيف ومتى شاء ؟ وهذه الحرية تعني القدرة على التحدي كل الطروف وكل المقتضيات .
ولأن الانسان حر، فهو مسؤول ، ولأن الحرية تتبع المسؤولية وتحمل المسؤوليات ليس سهلا،
البشر يجنح الى حذف الحرية الانسانية ودورها في تفسير الحياة بطريقة تجعلها خاضعة لحتميات معينة ، وكذلك تفسير التاريخ ، فمن الصعب علينا ان نقول ان ارادة الانبياء ومحض اختيارهم غير مشروط كانت الارض الطبيعية التي هبطت عليها رسالات السماء ، وان ارادة المصلحين ، والمفكرين هي التي صنعت الحضارات الكبرى ولكن ذلك هو الرأي الصحيح في تفسير التاريخ كله .... والتاريخ الرسالي الاسلامي بدرجة خاص ، أن تلاميذ مدرسة الرسول واهل بيته هم الذين حملوا مسؤولية الرسالة الاسلامية وهم جعلوها حركة ثورية رسالية عارمة ... وعندما ذهبت هذه الاجيال الثائرة خلف من بعدهم خلق اضاعوا رسالة الثورة ... لماذا . لانهم ارادوا ذلك كما اراد أباءهم خلاف ذلك. أن تخلف الامة الاسلامية هذا اليوم ، انما هو تخلف مركز افرازاته أجيال واجيال ... فكلما جاء جيل أضاف على بدع الماضيين أوزاراً جديدة فاذا بها أجتمعت عندنا كما تجمعت رواسب رأفد مرعلى الاوساخ فطهرها وحملها معه في حفرة ، ونحن في تلك الحفرة اجتمعت عندنا رواسب تخلف عديدة . ولذلك فان عملية التحويل في الرسالة لم تجر ي مرة واحدة وانما بالتدريج فحين توقف كل جيل بل وحينما توقف كل فرد من أبناء الجيل الواحد عن اداة رسالته وبدل جانبا من المفهوم الثوري عنده وسكت الاخرون وتراضوا به ، حينئذ نشأ التخلف الاجتماعي في جيل ، ثم في اجيال . من هنا تحمل كل فرد من أبناء الاجيال في التخلف الحضاري للامة ، ولكن لا يعني هذا ان الذين ورثوا رسالة السماء من الرسول الاعظم صلوات الله عليه وعلى اله الاطهار ، ورسالة الدم من الامام الحسين عليه السلام ، لا يعني انهم لا يملكون عناصر حية .. أن نهر التاريخ لم يحمل الينا رواسب التخلف فقط بل حمل الينا ماءاً يصلح لدى تصفيته أن يكون سائغا وطهورا .. وذلك هو ماء معين . الرسالة العذب، فهناك الثقافة الرسالية الغنية التي عن طريق اعادة تفسيرها وبلورتها تصلح أن تكون أفضل اداة للتفجير الرسالي ، وهناكالتاريخ النضالي العظيم الذي عن طريقه اعادة تقييمه وصياغته نحصل على كنز من الذخيرة الرسالية . ومن هنا نعرف أن التاريخ كله الرسالي بوجه خاص صنعته ارادة الرجال وعزائمهم وبمدى وجود هذه الارادة يوجد تاريخ عظيم ... وبقدر فقدها تقل عظمة التاريخ ومجد الانسان .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha