المقالات

الاسلام السياسي السني في الميزان


 

ابراهيم العبادي ||

 

مثلما عانى الاسلام السياسي الشيعي من مشكلات متنوعة ،جعلته يتجه في مساره الراهن الى مفترق طرق ،كذلك يواجه الاسلام السياسي السني المشكلات ذاتها سواء في بيئته المحلية او على المستوى الوطني العراقي ،فمنذ اربعينيات القرن العشرين وبعيد التأسيس الرسمي لفرع جماعة الاخوان المسلمين في العراق على يد الشيخ محمد محمود الصواف (1915-1992)  ،مرت الحركة الاسلامية السنية بمنعرجات عديدة تراوحت بين النشاط السري والعلني ،والاصطدام بالسلطات ومداهنتها ، والتوسع التنظيمي ثم اتقاء السلطة  وحل التنظيم   طوعا وكرها ، ورغم التراجعات الخطيرة والانتكاسات المتكررة.

 لكن جذور الحركة المتينة  وتأثير رموزها واتساع مساحة حضورها في الاوساط الاجتماعية وتعدد واجهاتها سمح لها بالعودة النشطة بعد كل انتكاسة تتضمن السجن لبعض الحركيين واعدام البعض الاخر(محمد فرج وعبدالغني شندالة عام 1970)  ، حدث ذلك في  زمن البعث الفاشي حتى سقوط النظام .

فرغم حصول الاسلاميين السنة على اجازة العمل الحزبي عام 1960بطلب من  الدكتور عبدالكريم زيدان (1917-2014)  لكن التعطيل السلطوي كان له بالمرصاد ، وخلال هذه المسيرة  الطويلة اعترى العمل الاسلامي السني المشكلات المتوقعة ،اختلافات تنظيمية ،الجماعة ام الحزب (الحزب الاسلامي ) ،الاكتفاء بالعمل الدعوي والتنظيمي والاغاثي ام المشاركة السياسية والتعبير عن المواقف السياسية بقوة ؟  ،الاصطدام بالسلطة ام تحاشيها ؟  ،ثم دخلت على خط الازمة الانقسامات  القومية بين تيار اسلامي  كردي واخر تركماني ، وبروز اهتمامات محلية وتعبيرات عن اولويات قومية لدى الكرد والتركمان .

الاختبار الاكبر للاسلام السياسي السني كان بعيد سقوط النظام وتفضيل القيادات المشاركة بالسلطة رغم الاعلان عن رفض الاحتلال ،والتركيز على صياغات الدستور وتاكيد الدفاع عن حقوق السنة في اجهزة الحكم والدولة.

هذا المتغير الاخير اخذ حيزا كبير من انشغالات اسلاميي العراق السنة ،فقد واجهوا جماعات وفصائل مسلحة عنيفة تنافسهم على الزعامة الاجتماعية والسياسية من قوميين وبعثيين وزعماء قبليين وتيارات سلفية تكفيرية سرعان مااستثمرت الاستعداد النفسي والشعور بالصدمة والانتكاسة.

 لتستخدم شعارات مقاومة الصائل المحتل ورفض النموذج الديمقراطي لانه سيكرس تركيبة للسلطة في العراق لم تهضمها الذهنية الطائفية ،لذلك وجد اخوان العراق انفسهم في معمعة صراعات وتنافس كبيرين ،دفعهم الى العمل مع  امساك العصا من الوسط .

 فهم مابين قدم في (المقاومة) واخرى في السلطة ،ومابين المحافظة على الشراكة مع الاسلاميين الشيعة والقوميين الكرد ومابين التماهي مع الخطاب السلفي (التكفيري) والخطاب الطائفي  الذي تصاعد بقوة ، تارة استثمارا  في استقطاب الجمهور ، وتارة للتعبير عن توجهات طائفية ذاتية يحركها  الدفاع عن مصالح السنة ونفوذهم التاريخي ،لذلك وقع هذا التيار ضحية استقطابات حادة (قارن بين شخصية محسن عبدالحميد وطارق الهاشمي) وتوجهات و(تكتيكات )لم ترض قسما من جمهورهم الذي يتهمهم بالضعف والممالأة ، او الجمود وضعف المبادرة والتوجه الى التجديد ، ولم ترض شركائهم الذين باتوا يكتشفون انغماس بعض الحركيين والمنتظمين منهم  في اعمال العنف الطائفي و(الارهاب )الذي ساد في العشرية الاولى بعد التغيير .

ان استشراء الزبائنية وتخادم المواقف لم ينجحا كثيرا في المحافظة على حيز اجتماعي كبير للاسلام السياسي السني في ظل منافسة شرسة من جماعات الفكر والفعل التكفيري الذي تتهمه  بالردة وجعلته  هدفا لهجماتها الارهابية (قتلت القاعدة القياديين اياد العزي وحارث العبيدي ) ، وادى انكشاف مناطق السنة على مبادرات سياسية ممولة من الخارج ركزت على الزعامات العشائرية والوجهاء بتأثيرالامتدادات القبلية والقومية والمذهبية الى  تمكين  سياسيين طامحين للنفوذ في الاوساط الاجتماعية عبر ضخ  الاموال وشراء الاصوات بذريعة (استعادة) حقوق السنة  والدفاع عن مصالحهم  في قبال (تغول)شيعي ونفوذ ايراني قوي.

وانعكس ذلك في ارتباك الساحة السنية وانقسامها وتعدد مرجعياتها السياسية والدينية واضطراب توجهاتها بين المطالبة بالفيدرالية والخوف منها ،والاستقواء بالحلفاء الاقليميين والموازنة بين اختلافاتهم الايديولوجية (اسلاميين ،قوميين ).

كل ذلك وضع الاسلام السياسي السني في مفترق طرق تماما مثل زميله الشيعي ،وهو الان بين مراجعة فكره وستراتيجياته واهدافه وتحالفاته ،او الجمود والاستسلام للمتغيرات العاصفة والتعامل معها من موقع المنفعل لا الفاعل .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك