خالد الثرواني||
تخالف حكومات ما بعد التغيير الدستور الذي تتشدق به، وتنصب نفسها حامية له وقائمة على تنفيذه، لكن عند دخول أي انسان عراقي من الطبقات السحيقة للتصنيف الاجتماعي الحكومي يعرف كيف تميز الحكومة بينه وبين المواطن من الدرجة الأولى، فالمواطن المفضل لدى الدولة بالعموم والحكومات خصوصاً يتمتع بكافة امتيازات المواطنة بينما يبقى الانسان الآخر في حضيض الاهتمام ولا يحظى بأدنى اعتراف انه مواطن عراقي.
الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 أكد في المادة (14) منه على المساواة بين العراقيين، دون تمييز بسبب جنس الإنسان أو عرقه أو قوميته أو أصله أو لونه أو دينه أو مذهبه أو معتقده أو رأيه أو وضعه الاقتصادي أو مركزه الاجتماعي، وهنا من الطبيعي ان الدستور لم يفرق بين الموظف والعاطل عن العمل او العامل في القطاع الخاص لا بالحقوق ولا بالواجبات.
يعمل نظام الدولة في العراق ومنذ عقود على ضمان حياة الموظف وعائلته بتقديم كل ما يمكن تقديمه من قطع أراضي وقروض وحوافز وغيرها فيما يستثني المواطنين الآخرين، فالمصارف الحكومية لا تعترف بمواطنة غير الموظف والشركات الاستثمارية كذلك وكافة من يستطيع أن يقدم خدمة يشترط أن تكون موظفا!
ترعى الدولة ما يقرب من خمسة ملايين موظف -عددهم يفوق سكان عدد من الدول العربية- من أصل (40) مليون مواطن وتدفع لهم رواتب شهرية مجزية وحقوق أخرى بعيدا عن ميزان العدالة الاجتماعية، ولو وضعنا مقياس لنسبة عدد الموظفين قياسا مع السكان نجده تقريباً (12) في المئة، أي أنّ (88) في المئة من السكان لا اهمام فيهم ولا يتم تذكرهم الا في حصاد الأصوات أو الحاجة الى دماء تدافع عن استقرار مجتمع المنطقة الخضراء.
ورغم هذا الجيش من الموظفين الذي يمتص الموازنات العامة الا أن دوائر الدولة تحولت الى مراكز تعذيب وانتهاك حقوق واهانة وباب من ابواب تسليب المواطن المسحوق، فالفساد يعشعش في هذه الدوائر وتعطل المعاملات أمر سائد بالرغم من الزيادة في عدد الموظفين بالبلاد، والبطالة المقنعة يصطدم الفقير بضعف انتاجية الموظف وتأجيل مصالحه من يوم الى آخر، ليكون الموظف العراقي أقل الموظفين العرب إنتاجية بمعدل 17 دقيقة في اليوم الواحد.
أمام العراق مراحل زمنية معبئة بالأزمات اذا بقي التفكير الحكومي يقتصر على ارضاء الشعب بزيادة كتلة الموظفين بطريقة هروب سريعة من الغضب الجماهيري نتيجة سوء الادارة والتخطيط، واذا استمر هذا النهج سيتحول الفارق الطبقي والاجتماعي الى شرخ لا يمكن علاجه الا بعملية كيّ مؤلمة وغير مضمونة النتائج في الوقت الذي يترنح نظام الدولة بين اللا استقرار والضياع الكامل. فكلما ازداد عدد الموظفين بالدولة قلت الانتاجية الى الحد الذي وصلت فيه انتاجية الموظف العراقي الى (17) دقيقة وصلت انتاجية العامل السويدي الى ست ساعات من أصل ست!
بعد ان كان عدد الموظفين في العراق سنة (2003) ما يقرب من (850) ألف موظف وصل العدد الآن خمسة ملايين وفي زوايا هذه المتوالية تحول الموظف الى عاطل عن العمل رسميا ينتظر راتبه الشهري مقابل سكوته عن كل المتغيرات خارج عالمه، بل تحول التوظيف في مفاصل الدولة بحث عن رصيد انتخابي وهنا ترتكب جريمة بحق الملايين لحساب عدد محدود، وبالمقارنة مع العاملين في القطاع الخاص نجد الفارق الواسع والتقصد بالتمييز، فالدولة توفر الكثير من الضمانات والامتيازات والمخصصات لموظفيها مثل الضمان الاجتماعي والتقاعد والايفادات والعطل والاجازات والأراضي السكنية والقروض المالية، بينما نرى الموظف في القطاع الخاص يقدم كل ما لديه ولا يحصل على ما يحصله موظفو القطاع العام، وبالتالي نرى اليوم توجه الفرد نحو القطاع العام دون الخاص بسبب كل هذه الضمانات ونجد الآلاف من الخريجين يفترشون الشوارع منذ شهور مطالبين بالدخول الى جنة التوظيف دون أن يبحثوا عن أي عمل في القطاع الخاص أو تأسيس مشاريع شخصية فحتى الابتكار تجمد أمام الطمع بالامتيازات الحكومية.
اذا أرادت أي حكومة اخراج العراق من عنق زجاجة التوظيف عليها وباتفاق الجميع تفعيل دور القطاع الخاص وحماية العاملين فيه بتشريع القوانين اللازمة لمواجهة أي اضرار بهم، وكذلك دعم المشاريع الصغير والمتوسطة بلا شرط أو قيد وتقليل الامتيازات للموظفين والغاء بعضها مثل القروض والاراضي السكنية والامتيازات المالية التي توسع الفارق الطبقي، وكذلك توحيد الاجور بين القطاعين العام والخاص وجميع الامتيازات الاخرى مثل العطل والاجازات والحقوق التقاعدية والضمان الصحي والاجتماعي، فضلا عن تمويل المشاريع الابتكارية دون شروط، بالإضافة الى تدريب الموظفين الحكوميين على التكنولوجيا الحديثة والتعامل مع الاجهزة الالكترونية لتطبيق الحكومة الالكترونية والتي من خلالها تستأصل شأفة الفساد فالمراهنة على رأس المال البشري والاهتمام به وتطويره بدل دفنه في خزانة التوظيف هي من تجعل الدول تتقدم وليس بزيادة العاطلين عن الانتاج.
ـــ
https://telegram.me/buratha