بهاء الخزعلي||
بسم الله الرحمن الرحيم (هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) صدق الله العلي العظيم.
الكل يتفق وبالإجماع على أنه من أهم سياسات الولايات المتحدة الأميركية، عند محاولتها التدخل عسكريا في أي دولة او أحتلالها العسكري لأي دولة في العالم، تعمل على تأجيج الصراع الداخلي لتلك الدول، وعادتا تكون أما صراعات طائفية أو قومية أو حتى قبلية، لكن هذه الأيام نرى أن الولايات المتحدة هي من تعاني من ذلك السم الذي طالما دسته للأخرين.
الكل يعتقد أن الأنقسام البنيوي الاجتماعي في أميركا هو عبارة عن أنقسام عرقي بين البيض والسود واللاتينيين، لكن ما أتضح لنا اليوم من خلال منشورات حركة (كيو آنون) أنه أنقسام ديني أيضا، حيث أثارت تلك الحركة الشارع الاميركي بقصة جديدة، حيث أشارو الى أن نانسي بيلوسي وجو بايدن وهيلاري كلينتون هم من طائفة عبدة الشيطان، وهم يمارسون طقوس تقديم الاطفال قربانا للشيطان لكي يصل الحكم الى المسيح الدجال، في حين ترامب هو المدافع عن الخير ضد قوى الشر وأنه مخول من السيد المسيح لإيصال الحكم الى اليسوع المنقذ، البعض يرى ذلك الموضوع عرضي وقد لا يحظى بأهمية بالغة، لكن ما يؤكده بعض الصحفيين الذين يلتقون بالمجموعات الترامبية، بأن تلك المجموعات تعتبر الوضع الراهن هو صراع وجود ما بين الخير والشر ما بين المسيح والمسيح الدجال، وبأن الكفاح سيكون كفاح مسلحا اذا لم تتحقق رغباتهم.
ولو نظرنا بتمعن الى التأريخ الاميركي لوجدنا إن الدولة الأمريكية تأسست من المسيحيين الأوروبيين الذين عبروا المحيط متمثلين بفكر دينى هو خروج بنى إسرائيل من مصر بسبب الاضطهاد وعبورهم البحر الأحمر إلى أرض الميعاد وهكذا تحولت أمريكا إلى أرض ميعاد جديدة، وأن غزو أرض فلسطين من قبل اليهود جاء مماثل لغزو امريكا الشمالية من قبل الأوربيين كأرض للميعاد عام 1898 م بين ساحل الأطلنطي شرقا وساحل الهادي غربا، وما يعزز لنا الاختلاف بمكان أرض المعاد أن فلسطين هي لم تكن أرض المعاد المقرره، بل هي خيار لأنشاء موطن لليهود من ثلاثة دول وهي أوغندا، الأرجنتين، فلسطين.
يتكون الكتاب المقدس عند اللاهوتيين الأميركيين من قسمين العهد القديم والعهد الجديد، وبحسب فكر الأمريكيين فالعهد القديم يمثل الحرية (العبور) ثم تكوين الدولة (الانعزال عن العالم وبناء الدولة) ثم التوسع، أما العهد الجديد بالنسبة لهم فهو الليبرالية التقدمية، حيث موت المسيح (الصليب) لأجل الآخر المختلف.
فى عهد جورج واشنطن كانت مرحلة الاستقلال وتكوين الدولة، لذلك استخدم آيات من سفر أشعياء تتحدث عن عدم إقامة أحلاف مع مصر (فى ذلك الوقت)، وطبقها فى رفضه للتحالف مع أوروبا حيث قال (على أمريكا أن تبقى محايدة فى حروب أوروبا إلا عندما تكون حريتنا أو تقاليدنا المقدسة فى خطر)، كذلك مبدأ مونرو عام 1923 حيث ربط الأمريكيون مبدأ مونرو مع الدستور الأمريكي وقوانين الرب، أي الانفصال الكامل عن أوروبا، وهنا كان مبدأ الانعزال عن العالم، ثم تبنت أمريكا مبدأ الانتشار والتوسع وذلك لكي تجهض محاولات أوروبا لفرض نفوذها على ما تبقى من أراضي أمريكا الشمالية الشاسعة.
ثم أعاد اللاهوتيون تكريس أمريكا على أنها شعب الله المختار، والتي ستكون قادرة على تحقيق حكم المسيح على الأرض لألف عام، هكذا أصبحت الولايات المتحدة قوة إستعمارية، حيث نضجت الثورة الصناعية وأصبحت أمريكا من أغنى دول العالم، وكانت الخلفية التاريخية لهذه الفترة هي الإنجيل الاجتماعي، والذى يعلم أن العمل فوق الإيمان، والجوهر فوق الشكل، وملكوت الله على الأرض كما هو فى السماء، وكان ذلك بتأثير نظرية دارون والنقد الأعلى للكتاب المقدس وكان رد الكنيسة المعمدانية عنيفا، إلا أن البروتستانتيين قاموا بتهدئة هذه المعضلة اللاهوتية من أجل النهضة الاجتماعية والعلمية، وهكذا اتجهت أمريكا بتحفظ نحو الليبرالية العلمانية، رغم الاتجاه القوي المعادي لها، والذي كان يرى أن الليبرالية انحدار كامل فى النسيج الأخلاقى للأمم، ولذلك سمى الشعب الأمريكي هذه الليبرالية (ليبرالية التقوى) ومن خلال هذه الليبرالية التقدمية ألزمت أمريكا نفسها بالسعي وراء أفكار مجردة مثل الحرية والديمقراطية.
بعد الحرب العالمية الثانية بدأ الرئيس روزفلت إستراتيجية مواجهة التهديد الشيوعي وكانت الخلفية الدينية لهذه السياسة هي فى الأساس حربا بين الإيمان والمادية، وأن الديمقراطية ما هى إلا قوى روحانية لذلك يناصبها الخطر الشيوعي العداء بصورة كاملة، فالحركة الشيوعية تقوم على أساس تعصب شرس ينفى وجود الله وتحرص على تحريم عبادته، ولقد قام ترومان وهو الرئيس الثالث والثلاثون لأميركا بإقامة علاقة دبلوماسية مع الفاتيكان، وهو ما كان مرفوضا من المعمدانيين، وذلك للإختلاف العقائدي، وقد استمرت هذه السياسة بالردع الثوري في عهد أيزنهاور، وفي مرحلة جون كنيدي وجونسون شنت حروب التمرد الشعبي فى العالم الثالث، وفي عهد نيكسون تم احتواء الاتحاد السوفييتي من خلال الترغيب والترهيب، ثم جاء ريجان ليتحالف مع البابا يوحنا بولس ويفتح الترسانة العسكرية، وهكذا فتح الهجوم الأيديولوجي و العسكري من خلال مساعدة مسلحين الأفغان وبولندا وغيرهم، لتتحقق نبوءة الكتاب المقدس (أن الشعوب الخاضعة ستثور من تلقاء نفسها ضد إمبراطورية الشر) أي (موسكو) ناهيك عن تصريح بوش في غزو العراق حين قال (سنجعلها حربا صليبية).
اما عن فكرة إصلاح العالم بالحلم الأمريكي تفترض هذه الفكرة أن النموذج الأمريكي مقبول وصالح عالميا، وهم يتناسون فشلهم بالتقبل من حضارات وثقافات البلدان الحضارية المختلفة، مثل بلاد بابل وبلاد فارس والامبراطورية العثمانية وكذلك الصين لأن هذه الحضارات تعتبر حضارات مناوئة لسياسات أميركا بجذورها التاريخية العميقة.
بعد كل ما تقدم نستطيع أن نتيقن أن الصراع الديني الأميركي سوف يتفاقم حتى ينتج حربا داخلية،ما بين اليمين المتطرف واليسار الليبرالي خصوصا و أن اليمينيين يرون أن الدين والليبرالية لا يجتمعان أبدا،لكن جمعهما من قبل البعض ينم عن البراكماتية والمصالح الشخصية من قبل هؤلاء الأشخاص، ناهيك عن تقارير ال(FBI) التي تشير ألى أن الترامبيون ينون القيام بعمليات مسلحة، لإقتحام الكونغرس والبيت الأبيض ومباني فدرالية لعواصم في ولايات أخرى، كما أن حجم الأحتراز الأمني والأستعانة ب٢٠ ألف جندي من الحرس الوطني لحماية المؤسسات في واشنطن يدل على حجم الخطر المقبل، بالإضافة إلى الاشارة من قبل نانسي بلوسي، على أنه هناك متواطئين من داخل الكونغرس في غزوة الكابيتول، وتقرير ال(FBI) بأن الترامبيون يتناقلون خرائط لشبكات الانفاق تحت مبنى الكابيتول، كذلك أستخدامهم التشفير في الرسائل، يدل على حجم توغل الترامبيون في مؤسسات الدولة الأميركية وحجم الخطر والتخطيط والنوايا لتلك المجاميع.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha