خالد الثرواني ||
تختلف الروايات على صاحب مقولة "عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهرا سيفه" بين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والصحابي الجليل أباذر الغفاري (رضي الله عنه)، لكن الثابت أن الفقر هو حالة تؤشر الى غياب العدالة الاجتماعية من جانب السلطة الحاكمة في كل زمان ومكان ولو عرجنا على ما حدث في العراق بعد ازدياد وتيرة الحراك الاحتجاجي بعد عام 2011 بالبلاد. اذ كان الدافع الرئيس هو البطالة والفقر ونقص الخدمات في الوقت الذي اطلع المواطن العراقي على حجم الانفاق الحكومي ومقادير رواتب الدرجات الخاصة، بينما يعيش الكثير على فتات الرواتب أو نبش النفايات في الطمر الصحي.
أنهك الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق عقب غزو النظام البعثي الدكتاتوري للكويت الطبقة المتوسطة فتحولت الى طبقة فقيرة، بينما تحول الفقراء الى فريسة للموت جوعا، وهذه السياسة طبقتها الآن حكومة الكاظمي من حيث تعلم أو لا تعلم، فبعد خفض قيمة الدينار العراقي ارتفعت أسعار السلع والخدمات الى الحد الذي لا يستطيع الفقير تدبير معيشته، بينما بقيت الطبقة المتوسطة التي نمت خلال سنوات الانتعاش الاقتصادي وتشكل بالأغلب موظفي الدولة ترزح بين مطرقة سلسلة القطوعات وفرض الضرائب على الرواتب وسندان ارتفاع الاسعار بسبب اعتماد السوق العراقي على المستورد في كل شيء في ظل غياب الصناعة الوطنية.
انتشرت قبل أيام دعوات لعودة التظاهرات بصورة أكثر قوة عبر العصيان المدني والاضراب الشامل، وتذرع مطلقي الدعوة بعدد من الاسباب المزعومة لكن الواقع أن هذه الجهات التي قادت تظاهرات تشرين 2019 من خلف الكواليس استثمرت الواقع الاقتصادي البائس الذي أوصلتنا به الحكومة التي انبثقت من التظاهرات نفسها وبطلب من عدد من الخيم والساحات. فالمحركون يبدو أنهم انقلبوا على الحكومة لأسباب انتخابية عرفوا اخطاء الحكومة التي اقترفها البنك المركزي وأكملتها وزارة المالية نزولا عند رغبة المؤسسات المالية العالمية (النقد الدولي، البنك الدولي) في تقليل الدعم الحكومي لذا رأينا كيف اختفت الحصة التموينية في زمن الكاظمي، وكيف تحولت الرواتب الى انجاز حكومي، وهنا تحول الفقير الى مادة دسمة للاستغلال السياسي في تصفية الحسابات.
من المحتمل جداً أن تتكرر قضية التظاهرات في الأشهر القريبة المقبلة خصوصاً بعد تأجيل الانتخابات المبكرة الى تشرين الأول نهاية العام الحالي، أي أن الفترة كافية لإثبات الوجود عبر الشارع الغاضب من استغلاله سابقاً من قبل عدد من الاعلاميين والناشطين الذين وصلوا الى السلطة وتركوا خلفهم المادة الأولية لانقلابهم المملوء بدخان الاطارات، لكن الثابت في التظاهرات المقبلة أن العنف سيكون أكثر شدة من جانب المتظاهرين فقطع الطرق واغلاق المدارس والاعتداء على الجامعات واهانة الاساتذة سيكون قطرة أمام بحر العنف القادم. فالفشل الحكومي على جميع الصعد ادى الى حالة غضب شعبي عام، وحتى من كان ضد ما جرى في تظاهرات تشرين الأول من العام 2019 سنجده بوقت مقبل في طليعة الغاضبين. فيما سيتحول المتظاهر السابق الى آلة للتدمير بعد تلقيه الكثير من الخيبات.
لا تستطيع الحكومة في الوقت القليل أمامها حتى موعد الانتخابات المبكرة المقبل اجراء الكثير من الاصلاحات لكن الغريب أنها مستمرة في صنع الازمات وزيادة الناقمين، فرغم دخول العام الحالي شهره الثاني الا ان الموازنة الاتحادية تترنح بين مجلس النواب ووزارة المالية، بينما تحاول اللجنة المالية النيابية اثبات ذاتها عبر تغيير بعض الفقرات لإرضاء أطراف سياسية، لكن في الواقع عملت على اثارة المزيد من الغضب الشعبي بعد اضافة قانون ضريبة الدخل الى سلّة التشذيب الحكومي للرواتب.
يسير العراق بسرعة جنونية نحو مزيد من اللا استقرار في ضوء الاخطاء الحكومية القاتلة على الصعيد الاقتصادي، وأمام هذا التردي المتضخم ينبغي أن يقوم مجلس النواب بدوره في اقالة الحكومة ومحافظ البنك المركزي الذي يستظل بظل كتلة سائرون والتي انقذته من الاستجواب قبل يومين عبر كسر نصاب البرلمان، وكذلك اعلان الكتلة الصدرية وتحالف الفتح عن مسؤوليتهما باختيار الكاظمي وتصحيح الخطأ بإقالته والاعتذار للشعب عن الموافقة عليه، فالرجل ليس بمستوى التحدي العراقي خصوصا وأن مستشاريه مازالوا يزيدون تنكيسه بوحل الأزمات. فالجميع يعرف بواطن الفساد ووجوهه واولها مزاد بيع العملة وليس آخرها غياب العدد الحقيقي للموظفين في العراق من سجلات وزارة المالية.
وبحال غياب الارادة في تصحيح المسار السياسي والاقتصادي وفي ظل الانقسام الشعبي والتنافر الايدلوجي الذي خلفته التظاهرات الماضية، سيكون مجتمع المنطقة الخضراء فريسة مكان الشهيد (ميثم البطاط) الذي قتله بوحشية عدد من متظاهري ساحة التحرير وعلقوه على عمود للإشارة المرورية في ساحة الوثبة بسبب طاقة الغضب ضد كل معارض للحراك أو الشعور بالخذلان لدى هؤلاء الفقراء الذين تم استغفالهم، فالعنف القادم يكتسح امامه الكثير من الحدود الذي أوقفت الغضب الشبابي في تشرين الأول الماضي ومنها لا الحصر توصيات المرجعية الدينية المستمرة التي أسهمت في تصويب المسار وكبح جماح العنف. هنا لا أبرر للعنف القادم ولا أرضاه بأي حال من الأحوال لكن ما يقاسيه الكثير من المواطنين العراقيين من فقر وغياب لأدنى مقومات الاستقرار وفي وجود عدم الشعور بالأمن الاجتماعي قد يشهر الفقير سيفه وهي آخر محاولة ليؤكد لأصحاب القرار ويقول (أنا موجود) وهنا لات حين مندم.
https://telegram.me/buratha