د. علي حكمت شعيب*||
لقد فرضت الأزمة الصحية المشفوعة بالأزمة الاقتصادية تداعيات سلبية صحية ومالية شديدة على لبنان وأهله، زاد في استعار نيرانها الوقود الفتنوي التي تغذيه السفارات الأجنبية خدمة لأهداف سياسية باتت معروفة، تصب في إطار نزع نقاط القوة الأساسية عن البلد، إمعاناً في ضرب أركانه لكي يأتي راكعاً مستسلماً أمام إملاءاتها.
ما يجدر الالتفات اليه هو أن الأمم الحيّة لا تقف عاجزة عند الأزمات، بل تنظر إليها من منظور التفاؤل والاستفادة منها للانطلاق بكل ثقة وقوة نحو تغيير الواقع القائم.
لقد استبشرنا خيراً في لبنان، بداية الأزمة الصحية التي أحدثها كورونا، عند مشاهدتنا لبضع مبادرات صناعية أعلنت عن مشاريع إنتاجية في ميادين الوقاية والمواجهة لهذا الفيروس التاجي.
لكن ما يؤسف له هو عدم رؤيتنا حتى اليوم لأي من هذه المبادرات الصناعية تبصر النور، لتنفذ ما أعلنته من مشاريع وتصل بها الى منتجات لبنانية تنال الموثوقية من مؤسسات الاعتماد الدولية.
وعلى سبيل المثال:
فقد تكلم الإعلام عن عدة مبادرات منها تصنيع أجهزة تنفس... فهل نحن عاجزون أم مربكون أم مقصّرون أم الفساد الإداري هو الذي يعيقنا عن ترجمة وعودنا الى أفعال مثمرة.
إن أهمية هذا الأمر تكمن في مساهمته الفاعلة في الانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج، محولاً التهديدات الصحية الى فرص اقتصادية إنتاجية مثمرة.
فلو تمكن ثلة من المبدعين في لبنان من ذلك فصدّروا إنتاجهم، لكسروا حلقات القيود النفسية التي تكبل اللبنانيين عن الإنتاج، بسبب ما اعتادوا عليه من سلوكيات وأنشطة اقتصادية عمادها الاقتصاد الريعي، ولكان لذلك أثر بيّن في النهوض الاقتصادي بلبنان لما يوفره من فرص عمل ويؤمنه من عملة صعبة جراء التصدير.
لذلك فإن المعنيين بالقطاع الصناعي من مسؤولين رسميين بالخصوص وصناعيين في القطاع العام والخاص وأساتذة وطلاب جامعات... وكل أولئك الذين يعملون في ميدان الإبداع والابتكار لمنتجات صناعية، مطالبون بتشكيل فريق عمل يضع أمامه هدفاً أساسياً، وهو الوصول الى منتج فعال وكفوء في الوقاية والمواجهة للأزمة الصحية سواء كان آلة طبية أو لقاحاً أو لباساً واقياً أو سائلاً معقّماً أو دواء ناجعاً أو... وتوفير كافة السبل والوسائل والموارد لوضع خط إنتاج له بعد تأمين شهادة موثوقيته من مؤسسات الاعتماد العالمية.
إن التعاون وتضافر الجهود، ونبذ الفردية وتبنّي الروح الجماعية، وتبادل الأفكار والآراء، والدعم المعنوي والمالي الرسمي والخاص، وتشجيع الرواد والمبدعين اللبنانيين، أمور ضرورية مطلوبة لنزع ثوب الإحباط والقلق وانعدام الثقة بالنفس عنا، وهو أمر إن تمّ فخيراته وفوائده ستعمّ جميع اللبنانيين.
فحذار من إضاعة هذه الفرصة المتاحة لأن ذلك سيحولها الى تهديد آخر يعمق الأزمات القائمة ويزيد من وطأتها علينا.
ولننطلق معتمدين على قدراتنا ومتخلّين عن أنانياتنا للنهوض ببلدنا.
فالأزمات ميادين للتأهيل والتغيير نحو الأفضل ونحن قوم لا تنقصنا العزيمة والعلم والإرادة للاستفادة منها.
*أستاذ جامعي ـ الجامعة اللبنانية ـ بيروت