عباس سرحان ||
· انتقادات بايدن للسعودية .. مؤشرات "حَلبٍ" جديد أم تبدّل استراتيجي في الموقف الامريكي؟
توالت الانتقادات الامريكية للسعودية هذه الايام بسبب حرب اليمن وما تخللها من مجازر بحق اليمنيين المحاصرين من السعودية بالموت والجوع منذ سنوات، ووصف الرئيس الامريكي بايدن في خطابه الخميس الماضي حرب اليمن بأنها "خلقت كارثة إنسانية واستراتيجية".
ولم تقتصر الانتقادات الامريكية لحليفتها السعودية على قضية الحرب في اليمن بل تعدتها الى موضوع حقوق الانسان، وقالت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض يوم الجمعة إن" الولايات المتحدة تتوقع أن تحسّن السعودية سجلها في حقوق الإنسان وتفرج عن النشطاء والسجناء السياسيين ".
ومن المؤكد أن أخطر ملف يواجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ما يتعلق بحقوق الانسان هو قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، ولم تنس الادارة الامريكية ان تثير هذا الموضوع فقد وصفت جين ساكي مقتله بأنه "جريمة مروعة".
ولاشك أن المسؤولين في الرياض يواجهون اياما صعبة تشبه الايام التي هاجمهم فيها الرئيس الامريكي السابق ترامب أول وصوله الى البيت الأبيض، قبل أن يتمكنوا من إسكاته بنحو 500 مليار دولار جناها من السعودية وحدها.
لكن الأمر مع بايدن لم يتضح بعد، فهل سيحتاج السعوديون لإسكاته برشوة مماثلة أم أنه يوبخ السعوديين ليجني المكاسب في مكان آخر. غير أن المؤكد أن السعوديين في حيرة من أمرهم وقد ظهر ذلك في ردود أفعالهم الأولية على انتقادات الرئيس بايدن.
فقد أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير في تغريدة على حسابه أن بلاده ستواصل الوقوف مع الادارة الامريكية في مواجهة الاعداء المشتركين، وفي هذه الكلام تملق واضح يكشف مقدار الحرج الذي سببته تصريحات بايدن للسعوديين.
ولكن السؤال الأهم من كل ذلك هو لماذا تهاجم ادارة بايدن السعودية وهي تعلم ان حرب السعودية على اليمن وتدخلاتها في كل دول المنطقة بدءً بالعراق وسورية وليبيا ولبنان واليمن لم تكن لتحدث دون موافقة حاكم البيت الأبيض.
فحرب السعودية على اليمن قد تمت في الشهر الأخير لولاية الرئيس اوباما وهو كما معروف من نفس حزب الرئيس بايدن( الحزب الديمقراطي) إذاً ما عدا مما بدا؟!
لاشك أن امريكا مرهقة بحجم المشاكل والجبهات التي فتحها ترامب في بقاع عديدة من العالم، مع اوروبا وروسيا وكوريا الشمالية، وايران. وامريكا تتدخل في ليبيا وسوريا والعرق ولبنان ومناطق أخرى وهذه التدخلات مكلفة.
ومن الطبيعي أن تسعى الادارة الجديدة الى تهدئة بعض الجبهات وخفض التصعيد فيها والتركيز على جبهات أكثر أهمية، والسبب الآخر أن الرئيس الامريكي السابق ترامب تصرف كقاطع طريق وبلطجي، فأساء الى امريكا اساءة بالغة.
لقد صور ترامب بلاده على انها دولة مهتمة بجني المال بشتى الطرق وداعمة لمنتهكي حقوق الانسان، وانها عبارة عن معامل لانتاج الاسلحة من اجل ادامة ارباحها وإن تسببت أسلحتها بمقتل آلاف الابرياء حول العالم.
وقد يسعى الرئيس بايدن الى اعادة رسم صورة بلاده بأفكار ومواقف براقة تنسجم مع ما ردده في حملته الانتخابية من شعارات .
هذه كلها اسباب مقنعة تجعل من التحول في الموقف الامريكي من السعودية ومناطق اخرى حول العالم امرا حتميا بالنسبة لاي رئيس امريكي يسعى لاعادة ترميم الخراب الذي خلّفه سلفه ترامب.
لكن ما نعتقده هنا ان الانتقادات التي توجه الى السعودية من قبل الرئيس الامريكي بايدن وكابينته تكشف عن رغبة في التقرب من ايران قبل العودة الى طاولة المفاوضات، وإذا تأكدت بعض التسريبات عن اتصالات ايرانية - امريكية غير مباشرة جرت مؤخرا، فلاشك أن بايدن يتقرب لإيران بمهاجمة السعودية.
فمن المعروف أن شروط القيادة الايرانية قبل العودة الى الاتفاق النووي، أن توقف السعودية حربها على اليمن، وترفع امريكا العقوبات الاقتصادية ضد ايران، والتزام جميع اعضاء الاتفاق بعدم ادخال اي طرف آخر في هذا الاتفاق.
ويبدو أن بايدن اختار الطريق الأسهل لمواجهة إيران من خلال الاستجابة لشروطها المنطقية. لأنه غير قادر على الذهاب أكثر مما ذهب اليه ترامب في التصعيد ضدها، وهي مدججة بالصواريخ وتقف على أهبة الاستعداد للرد على اي اعتداء يطال اراضيها.
لكن كيف ستواجه السعودية هذا الموقف المستجد للإدارة الأمريكية، فهل ستقف بوجه بايدن وتهاجمه من الداخل من خلال دفع الاموال لصحفيين وعنصريين مرتبطين بها؟
أم أنها لا تقدر على هذه المواجهة وستختار الإذعان وتعود إلى الإنزواء ريثما تهدأ العاصفة؟. هذه الأسئلة ستجيب عليها الايام القليلة المقبلة.
ـــــ
https://telegram.me/buratha