عباس سرحان ||
حين ثار الجدل بين العراق والكويت على مناطق حدودية ومنها خور عبد الله، التزمت كتل سياسية سنية وكوردية الصمت حيال هذا الجدل، وكأن الأمر لايعنيها، لا بل ذهب بعضها إلى أبعد من ذلك حين أيدت من خلال ممثليها المطالب الكويتية على حساب العراق.
وحين يتعرض شمال العراق الى اعتداءات عسكرية تركية من وقت لآخر تصمت هذه الاطراف أيضا، وأحيانا يقتصر الموقف الكوردي المتمثل بحكومة اربيل على مطالبة حكومة بغداد بتولي أمر الرد على الاتراك معتبرة الاعتداءات التركية على مناطق كوردية عراقية مساسا بسيادة العراق!.
وأن الرد عليها من اختصاص الحكومة العراقية المعنية بالسيادة، وتنسى حكومة أربيل أنها لا تعترف بسيادة بغداد على الاقليم وتمتنع عن اشراكها بادارته أو إدارة منافذه الحدودية.
وامام هذه المواقف الملتبسة ينبري دائما قادة شيعة وطنيون فيحامون عن العراق كما تدافع أم الولد عن أبنائها، ولم يكتفوا بالتصريحات او المواقف السياسية والاعلامية بل كانت لهم مواقف سطروها بالدم إلى جنب أخوتهم من المقاتلين من وسط وجنوب البلاد.
ولعل الحرب ضد داعش والتي استمرت منذ 2014 والى يومنا هذا خير برهان على صدق ونبل المواقف الشيعية وعلى جسامة التضحيات التي تحملها العراقيون في وسط وجنوب البلاد من أجل تحرير المناطق الغربية والشمالية من العراق من سطوة داعش.
لكن المحزن أن هذه المواقف الوطنية لم تُقدّر سياسيا ولا أخلاقيا من قبل ذات الأطراف التي غالبا ما تقف الى جانب الكويت وتركيا في النزاعات التي تنشب بين هاتين الدولتين والعراق.
تبدو المعادلة على الأرض على النحو التالي: يضحي ابناء الوسط والجنوب لتحرير أرض لايسكنون عليها ولا يعرفون تضاريسها. ولكنهم يعتبرها وطنا يغارون عليه ويسارعون لحمايته، وتزف كل عائلة منهم شهيدا وأكثر دفاعا عن هذا الوطن.
ولا تحصل هذه العوائل على كلمة"شكرا" ولا على استحقاقات وامتيازات تناسب حجم تضحياتها، بل أن أغلبها يعيش دون خط الفقر ويسكن العشوائيات، بينما تذهب الاستحقاقات لأسر داعش ويتم احتساب ابنائها القتلى( شهداء) ضمن مؤسسة الشهداء بمعاملات مزورة.
ومن يتم القبض عليه من الارهابيين تطالب كتل سياسية سنية بالافراج عنه وتعتبر تنفيذ الاحكام القضائية بحقه مساسا وتعديا على حقوق المكون السني وتتوعد بتخريب العملية السياسية في حال المساس به لانها تعتبر 8 الاف ارهابي مدان قضائيا ابناءً للطائفة وإن كانوا مجرمين!.
الحشد الشعبي يُستهدف طائفيا وتطالب قوى سنية وكوردية باخراجه من مناطق حررها بدم ابنائه وما زال يمنح الدماء دفاعا عنها، ومع ذلك يطل كتّاب واعلاميون وسياسيون سنة وكورد على وسائل الاعلام ويصفون الحشد الشعبي بانه قوات تابعة لايران ويتهمونه بالعمالة.
مع ان افراده عراقيون ويدافعون عن الارض العراقية ويزف الشهداء في عمليات تحرير المدن التي يقطنها السنة والكورد، ولم يرتكب جرائم أو انتهاكات لحقوق الانسان وكان منضبطا تماما.
ولا يمكن مقارنته بآلاف الارهابيين الدواعش ممن ارتكبوا الفضائع. ومع ذلك يدافع بعضهم عن المعتقلين منهم ويطالب باطلاق سراحهم.
التعاطي مع هذه المواقف المتناقضة والغريبة من قبل الساسة ممن يمثلون وسط وجنوب العراق خطير وحساس جدا، لأن موقفهم منها يعتبر رسائل الى جمهورهم، فإذا أذعنوا للمطالبين باطلاق سراح الدواعش، فكأنما قالوا لذوي الضحايا من الشيعة: ان تضحيات ابنائكم ذهبت سدى.
وإذا قبلوا بتعويض أسر الدواعش بينما يعاني ذوو الشهداء من العوز والحرمان وتُفرض عليهم الضرائب، فكأنما قالوا لهم أنكم مغفلون.
من الواضح أن جورا كبيرا وقع على أهل وسط وجنوب العراق، فقد ضحوا بأبنائهم من أجل وطن لم يشعروا فيه بالعدالة، وهذا الشعور يشكل مأزقا كبيرا للسياسيين الشيعة ولابد من تداركه، فليس من المنطقي ان يبقى الموقف الشيعي سبّاقا للتضحية دون أن يتساوق مع مكتسبات سياسية وخدمية .
لابد من ضبط إيقاع مواقف وتصريحات السياسيين الشيعية لتكون مثمرة أكثر ومنسجمة مع مزاج جمهورهم، فتكاليف الوطنية التي دفعوها باهظة وما حصدوه من مكتسبات وتقدير على هذه التضحيات متدن جدا.
ما نتمناه على السياسيين الوطنيين من ممثلي وسط وجنوب البلاد مع تقديرنا واعتزازنا بهم، أن يتأخروا قليلا في تصريحاتهم التي يدافعون فيها عن العراق لعلنا نسمع الآخرين ممن صدّعوا رؤوسنا بالحديث عن الوطنية.
كما نتمنى أن يسعوا لإعادة تقييم تضحيات جمهورهم ويقارنوها بما حصل عليه من مكتسبات، فمن أقسى ما يشعر به المرء هو الغبن، حين يصفق له البعض وقت الحاجة الى التضحيات ويلبسه وسام الوطنية، ويرجمه بعد انتفاء الحاجة اليه ويسلب منه الوطن بكل خيراته، ولاقيمة للوطنية بلا وطن.
https://telegram.me/buratha