عباس سرحان ||
لم يعد خافيا أن دَفعَ العراق لخوض حرب ضد إيران عام 1980 ما كان قرار صدام وحده، بل كان قرارا عربيا أمريكيا أيضا، ولكل طرف من هذه الأطراف أسبابه التي دفعته لهذا القرار.
صدام كان طامعا بالزعامة فوضع نفسه والعراق في خدمة مخطط استهدف ايران ووجد فيه فرصة مواتية للانقضاض على رفاقه من قادة حزب البعث واعتلاء كرسي الرئاسة.
وأمريكا ارادت الانتقام من الثورة الاسلامية في ايران والضغط عليها لتعجيل إطلاق سراح رهائنها المحتجزين في سفارتها في طهران وقتذاك.
أما دول الخليج ودول عربية اخرى فأيدت الحرب ودعمتها لكونها تسير في الركب الامريكي من جهة، ولأنها أرادت اجهاض الثورة الاسلامية التحررية في ايران مدفوعة بأسباب طائفية، واشغال العراق بحرب عبثية تستنزف قواه العسكرية والاقتصادية الصاعدة، من جهة ثانية.
وتوّج العرب دورهم التدميري للعراق بمحاصرته اقتصاديا وإفقاره بذريعة غزو الكويت طوال 13 عاما، وكانوا يصبون جام غضبهم عليه متذرعين بجرائم صدام ونظامه التي اقترفها بحق العرب كما زعموا وقتها.
لكن المفارقة انهم وما ان سقط نظام صدام حتى سارعوا لاستقبال ازلامه وأسرهم ووفروا لهم كافة الاجواء للعيش والعمل والتآمر على العراق مجددا.
من كانوا سببا بدمار العراق والمنطقة واعتدوا على الكويت واحتلوها ودفع العراق تعويضات لكل الدنيا بسببهم صاروا بقدرة قادر مظلومين واحتضنتهم الدول العربية وهيأت لهم كافة اسباب العيش.
وقالت حفيدة صدام، حرير حسين كامل في تصريح لاحدى وكالات الانباء إن" الدول العربية وفرت لنا المقومات الرئيسية للمعيشة كأوراق ثبوتية، وراتب شهري، ومنزل للسكن".
وهذا الموقف العربي المتعاطف مع ازلام النظام البائد لأسباب "إنسانية" كما يزعمون لم نشهده سابقا في تعامل الحكومات العربية مع ضحايا صدام من المواطنين العراقيين ممن فروا اليها، فقد كانت تعيدهم الى صدام ليتم اعدامهم وتغييبهم.
إذن موقف حكومات العرب هذا يشير بوضوح الى أن العداء لصدام ونظامه وقت كان في السلطة لم يكن إلا عداء للعراق وشعبه ودوره السياسي والاقتصادي.
فالعراق يتمتع بموقع استراتيجي، ويملك ثروات هائلة تمكّنه من لعب دور كبير في المنطقة ووصول قوى وطنية ثورية لقيادة هذا البلد في أي وقت سيكون مكلفا جدا لدول التبعية وقوى الهيمنة.
وقد فاقم التدخل الخليجي وخصوصا السعودي والاماراتي والقطري في العراق من معاناة العراقيين، فآلاف المفخخات المدعومة من هذه الدول والتي استهدفت المدن العراقية ، أشاعت الموت والخراب في البلاد، كما وعطّلت مؤامراتها وحربها الاعلامية والسياسية التي شنتها ضد العراق عملية الاعمار فيه.
وليس أجلى من ذلك استثمار دول في الخليج وامريكا التذمر الشعبي في العراق جراء تردي الاوضاع المعيشية التي كانت تلك الاطراف سببا فيها، لاضعاف النظام السياسي من خلال احتجاجات مريبة.
وأخيرا بدأت بعض مفاصل مهمة في الدولة العراقية تقع في قبضة المخلب الخليجي والاماراتي تحديدا كما تشير الى ذلك بعض التسريبات.
وأصبح واضحا أن إعادة تركيب بعض المفاصل الحكومية العراقية المهمة لصالح المشروع الخارجي بات هدفا خليجيا واماراتيا على وجه الخصوص، تمهيدا لمرحلة مقبلة من ابرز سماتها التدخل في نتائج الانتخابات.
ودعم تكتلات سياسية ناشئة مرتبطة بالمشروع الخارجي والتأثير على القرار السيادي العراقي ومنعه من بناء الدولة.
ومن واجب القوى الوطنية في العراق ان تكون اكثر نباهة وهي تتعاطى مع التدخلات الخارجية، وتبتعد عن منطق النعامة في التعاطي مع الخطر، فالمرحلة المقبلة في العراق مهمة للغاية وقد تشهد تكريس المشروع السياسي البديل الذي تعمل عليه منذ سنوات قوى معادية للعراق.
https://telegram.me/buratha