عباس سرحان ||
كذبت نبوءة وزير المالية في حكومة رئيس الوزراء، الكاظمي، عبد الأمير علاوي حين نفى أن يكون لقرار خفض سعر صرف الدينار أمام الدولار تداعيات خطيرة على الفئات الفقيرة.
فعلى الرغم من تأكيده أن " الفئات الهشة لا تتأثر بقرار خفض سعر صرف الدينار، وأن إيجار المنازل، لا يتأثر بهذا القرار، لأنها أصول مسعّرة بالدينار العراقي"!. إلا أن الأسعار تصاعدت مرات عدة منذ تصريحه الغريب هذا.
فكيلو السكّر مثلا اصبح 1250 دينارا بعد ان كان 750 دينارا، وقنينة الزيت تباع الان بـثلاثة الاف دينار بعد ان كانت بـ 1750 دينارا، وكيلو الرز اصبح بـ 2000 دينار بعد أن كان يباع بـ 1300 دينار، وهكذا بالنسبة لبقية الاسعار، وهي مرجحة للصعود أكثر.
ومن الطبيعي حين يتم تخفيض قيمة العملة المحلية امام العملات الاجنبية، تبدأ الاسعار بالصعود خصوصا في بلد مثل العراق يعتمد على الاستيراد بشكل شبه تام، وهذه الحقيقة لاتحتاج الى ذكاء مفرط لمعرفتها، فأبسط بائع في السوق يمكنه تشخيصها، ولا ندري حقيقة كيف غابت عن ذهن السيد وزير المالية؟!
وهناك عامل آخر يفاقم من مشكلة الاسعار يتعلق بعدم وجود قدرة حكومية على ضبط ايقاع السوق أو محاسبة التجار المتلاعبين بالاسعار ظلما، فالدولة التي تعاني من الضعف والفساد لايمكنها أن تحمي المستهلك لان جهازها الاداري واهن او فاسد.
اللافت ان الحكومة ومؤيدوها يصرون على الابقاء على خفض قيمة العملة المحلية بزعم ان هذا الاجراء يشجع الصناعة المحلية ويحقق عائدات مالية ضخمة للدولة تمكنها من دفع مرتبات الموظفين.
والواقع ان العراق لايملك صناعات تغطي حاجة السوق وهو يعتمد على الاستيراد بشكل كامل فهذه حجة زائفة وغير مقنعة، واذا وجدت بعض المعامل المحدودة فانها تعتمد على المواد الخام المستوردة، فكأنها معامل أجنبية مشيدة على ارض العراق.
أما الإدعاء بأن خفض قيمة العملة يحقق عائدات مالية من مزاد بيع العملة الصعبة لتوفير رواتب الموظفين فهذا صحيح. لكن المحزن أن هذه العائدات المالية الضخمة يتم حلبها من جيوب المواطنين الذين يدفعونها للبنك المركزي بشكل غير مباشر من مدخولاتهم المتواضعة.
لاشك ان قرار خفض قيمة العملة العراقية عصف بالاستقرار الهش للطبقة الوسطى وسحق الأسر الفقيرة حد تكسير العظام، والمفارقة انه يتزامن مع ارتفاع سعر برميل النفط الى نحو 70 دولارا، ما يؤكد أن هذا القرار لم يكن عراقيا انما فُرض من الخارج، كجزء من حرب اقتصادية تستهدف بلدان بعينها في المنطقة.
إن ما يفاقم حزن وإحباط المواطنين في وسط وجنوب البلاد أن جزءً مهما من ممثليهم السياسيين شرعنوا قرار خفض قيمة الدينار وتسببوا بكارثة ارتفاع الاسعار، وأن نوابهم اصبحوا يدافعون عن مصالح آخرين وليس عن مصالحهم.
كما أن سببا آخر للألم الجنوبي يكمن في ان ثروة العراق التي تحقق عائدات ميزانيته التي لم يحصل منها الجنوبيون على شيء، تُستخرَج من تحت اقدام الجنوبيين ومن باطن ارضهم، ومع ذلك لم يحصلوا منها على شيء سوى امراض السرطان.
بينما الثروة التي يُفترض أنها وطنية وتقع في كوردستان العراق اعتبرها الكورد ثروة خاصة بهم وامتنعوا عن دفع عائداتها الى الحكومة الاتحادية، إليس هذه الغرائب التي تحدث في العراق كافية لإشعال وسط وجنوب البلاد؟!
نعم بالتأكيد انها تثير غضب السكان وتجعلهم قابلين للانفجار في اية لحظة يتوفر فيها الصاعق، والمقلق ان من يملك صاعق تفجير الغضب الشعبي لايفكر بمصالح الجنوبيين انما يستخدم امتعاضهم لتحقيق غايات خطيرة.
لا خلص للمواطنين في وسط وجنوب البلاد إلا بأحد خيارين، الأول أن تعود كتلهم السياسية الى تبني مطالبهم والدفاع عن حقوقهم وتمثيلهم بشكل حقيقي وعادل. وهذا أمر مستبعد ولن يتم في ظل هذه الطبقة السياسية.
أما الثاني فأن يهرع الناخبون في وسط وجنوب البلاد للمشاركة في الانتخابات المقبلة بقوة ووعي فيمنحوا اصواتهم لمن دافع عنهم ورفض خفض قيمة العملة وبذل كل ما بوسعه لتعديل بنود الموازنة المجحفة، وأن يمنعوا صعود الكتل التي باعتهم ولم تلتفت لمعاناتهم.
https://telegram.me/buratha