حسين فلسطين ||
لاشك اِن من سوء حظ العراق هو اِرتباطه بدول لا تنطبق عليها ايّ من الصفات الحسنة اذ يخلو القاموس العقائدي و السياسي لتلك الدول من مبادئ حسن الجوار كونها خاضعة لحكم دكتاتوريات طائفية دائما ما تنظر إلى العراق كدولة عدوة لا يجب أن تهنئ بشيئ من الاستقرار والتقدم ، لذلك عملت جاهدة على اقحامه بجملة من المآزق التي دائما ما تكون عناوينها الحروب والفتن التي رسم وخطط لها في غرف الدول العربية المظلمة
أبرز ما يعانيه العراق منذ تأسيس دولته الحديثة عام ١٩٢٠ مؤامرات بنيت على أساس طائفي عنصري معادي لشعبه المثقل بجراحات الاخوة الأعداء الذين كانوا ولا زالوا يخططون للفتك به وإنهاء وجود من يختلف معهم في العقيدة والفكر ولعل الكيان السعودي أبرز تلك الدول التي اوغلت بدماء العراقيين منذ وقت ليس بقليل
عقود والكيان السعودي يخوض غمار معركته مع العراق فالأمر لا يختلف عندما تكون السلطات السعودية صديقة للانظمة التي حكمت العراق او عدوة لها فالأمر لا يعني السعوديين بقدر ما يعنيهم ديمومة القتل وارتكاب المجازر بحق ابناء الشعب العراقي والتثقيف على معاداته بل حرص ال سعود على إعداد وتهيئة أجيال تحمل الة القتل وتحسن استخدامها فمن منا لم يقرأ مناهج الدراسة لهذا الكيان الدموي وما تحمله من كراهية مزمنة تنصب العداء لأبناء العراق فبالامس القريب كتب أحد أمراء العائلة الحاكمة حين كان وزيرا للتعليم مقالاً بعنوان ( الحجاج القائد المفترى عليه ) كذلك ما نطق به ولي عهد الكيان (محمد بن سلمان) حول إستحالة التعامل مع دول تنتظر المهدي المنتظر ناهيك عن حالة التمجيد والتقديس لكل من عادى ال بيت الرسول الأكرم محمد ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) فما بال المتابع الكريم من موقف هذه السلطة الغاشمة من أتباعهم؟
أن تقديم الكيان السعودي الوهابي كنموذج للعمق العربي المعادي للعراق لا يعني براءة بعض الدول العربية بقدر ما هو اختصار لمواقف أنظمة بنفس الايدلوجية والفكر والسلوك الذي تتسم به سلطات الكيان فالامارات والأردن والكويت والبحرين وقطر ومصر جميعها اشتركت بأيذاء العراق وكانت سبباً في مآسيه فالعلاقة معهم اسوء بكثير من عدم وجود العلاقة بالمطلق وهذا لا يختصر وجهة نظري فحسب بل حقيقة راسخه شهدها الاعم الاغلب كوننا كعراقيين ذقنا مرارة التحالف مع هذا العمق المشؤوم الذي دفع بالعراق نحو حربا خاسرة مع الجارة ايران تسببت بقتل مليون عراقي اضافة لخسائر مادية تجاوزت الألف مليار دولار !
ان عداء النظام السعودي الوهابي والخليجي العربي للعراق ليس جديداً و حمل اوجه عديدة أكثرها قبحاً هو الوجه الطائفي الذي يعود إلى أوائل القرن الثامن عشر أي منذ نشوء الحركة الوهابية المتطرفة اضافة الى الوجه القومي الذي لبسته دول عربية اخرى وإن كان اقل وطأة وتأثير من غيره إلا أن تأثيره كان عميقاً تسبب بتثبيت أساس لكيان استعماري غاشم في قلب الوطن العربي عندما تركوا العراق وحيدا ينازل الصهاينة في الوقت الذي وقع فيه العرب اتفاقيات سلام مع الإسرائيليين ليكملوا ما بدأ به الطائفيين الذين ساهموا في خلق الكيان الإسرائيلي في المنطقة
ان هذه الدول لم تكن عمقاً حقيقياً للعراق بقدر ما كانت منطلق لمشاريع استهداف عسكري واقتصادي من خلال احتضانها لقواعد دول الاستكبار التي ضربت بطائراتها البنى التحتية في العراق خلال حروب الخليج أعوام ٩١ و ٩٦ و ٩٨ و ٢٠٠٣ اضافة لدورها الحقير في فرض الحصار الاقتصادي عليه لثلاث عشر عام راح ضحيته اكثر من أربعة ملايين مواطن جراء النقص الحاد في الدواء والغذاء !
ويبدو أن غريزة الفتك بالعراقيين تزداد يوماً بعد آخر ومن حقبة لأخرى فما أن اسقط حليفهم المجرم صدام عام ٢٠٠٣ حتى أعدوا العدة لشن حرب المفخخات والاحزمة الناسفة والاغتيالات التي وصلت إعدادها لأكثر من (٥٠) حادث إرهابي يومياً جل القائمين بها هم من العرب على مدى عقد ونصف والتي راح ضحيتها أكثر من سبعة ملايين عراقي بين شهيد وجريح ومهجر
نعم لقد كان عمقنا العربي وفياً لدرجة تقديمه رقاب العراقيين قرابين لمشروعه الصهيوني الوهابي ودولته الداعشية التي بدأت سيوفها جزر ما يقارب (٤٠٠٠) شاب اعزل في اول ايام سيطرتها التي كلفت العراق ما يزعج الاحرار ذكره
أن ما تقشعر له الابدان وتقرف منه النفوس هو القيح السياسي الانهزامي الانبطاحي الذي تنتهجه أغلب القوى السياسية والأحزاب التي طالما تغنت بالعمق العربي وتغزلت به دون أن تسترجع شريط الذكريات الأسود لوّحل هذا العمق الذي لو اختصرنا اضراره المادية والبشرية للعقود الأربعة الأخيرة فقط سنجد خسائر العراق تقارب خسائر الحرب العالمية الأولى وتتجاوزها من حيث الخسائر المادية ، ولعل ما يثير الاشمئزاز اكثر حالة التلاهث الشيعي خلف حكام دويلات العمق على الرغم من أن (٩٠%) من الآثار السلبية المترتبة نتيجة التدخل العربي تحملها المكون الشيعي دون غيره
أن اي تقارب عراقي باتجاه الكيان السعودي ومشيحة الإمارات يتجاوز سيئات هذا المحيط المقرف وافاعيله وجرائمه بمثابة دخول في دائرة خطر هذا العمق الذي يريد جر العراق لما هو أبعد من بناء العلاقات تغض الطرف عن جرائمهم بحق ابناء الشعب العراقي طيلة العقود الخمسة الأخيرة بل انهم يسعون لأعادة بغداد لأداء دور خط صد وأداء مسرحية حراسة البوابة الشرقية كما كانت ابان حكم الطاغية المقبور في ثمانينيات القرن الماضي وبذلك جعلها شريكة أن لم تكن قائدة لحروب بالوكالة مع دول شقيقة تمثل عمق استراتيجي وامني وعقائدي وبالتالي فإن السعي السعودي لاستخدام الضد النوعي في حروبه مع إيران واليمن ولبنان من خلال تسخير وتطويع العراق أولى غايات التقارب المريب الذي أجزم أنه لن ولم ينجح في ظل تعدد أطراف المعادلة وإن العراق وأن كثرت كبوابته سوف لم يعود لأيام البعث وحروبه الطائفية الإرهابية
https://telegram.me/buratha