المقالات

في ذكرى في ذكرى استشهاد الصدر (٤)استشهاد الصدر (٤)


 

محمد عبد الجبار الشبوط |

 

الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، بالتوصيف الديني، فقيه، نال درجة الاجتهاد بالفقه الاسلامي على يد استاذ الفقهاء الامام الخوئي رحمه الله.

لكنه بالتوصيف الحضاري والاجتماعي احد ابرز دعاة الاصلاح الحضاري في النصف الثاني من القرن العشرين. وقد استثمر اجتهاده الديني في اهم مسألتين تواجهان المصلح، وهما القضاء على التخلف، والنهوض بالمجتمع. كان هذا هاجسه الذي شغل حياته وتفكيره، والحبل المتين في كل كتاباته وافعاله. ومن اجل تحقيق ذلك اشتغل على مشروع تفصيلي لمكافحة التخلف وتحقيق النهضة يتم تتويجه باقامة دولة عادلة كريمة، "على اساس الاسلام"، كما قال عام ١٩٧٩، او على اساس مشروع حضاري حداثي اذا تعذر ذلك، لاي سبب من الاسباب، كما قال رفيقه السيد محمد حسين فضل الله، في عام ١٩٨٨، حين دعا الى اقامة "دولة الانسان"، اذا تعذر اقامة "دولة الاسلام". وهذا ما اطلقت عليه لاحقا اسم "الدولة الحضارية الحديثة"، التي تمثل الاتجاه التاريخي الموضوعي لمجمل حركة البشرية. ويمكن الان العثور على "اصول" الدولة الحضارية الحديثة في فكر الصدر، وهو يتحدث عن البعد القيمي للدولة، والبعد السياسي لها، والبعد الاقتصادي لها. 

ومن اجل تحقيق ذلك، طرح الصدر سلسلة افكار ومفاهيم تشكل هيكل مشروعه النهضوي، بدءاً من "الشرط الاساسي للنهضة"، والفهم الحضاري للقران على اساس الحداثة، وسنن التاريخ والاتجاهات الموضوعية فيه، والبعد الاجتماعي لاصول الدين (التوحيد، العدل، النبوة، الامامة، المعاد)، والدلالات الحضارية لصفات الله، والمركب الحضاري، وعناصر المجتمع، والسير التكاملي للبشرية بصورة عامة، و علاقة العمل الصالح بمنظومة القيم العليا، والعدالة، والحرية، والمدلول الاجتماعي لمصطلح "في سبيل الله" القراني، وغير ذلك الكثير مما يستحق الدراسة والتحليل والمقارنة والتطوير. محمد باقر الصدر كتب ما كتب بعد ان كتب جان جاك روسو (١٧١٢-١٧٧٨) "العقد الاجتماعي" في عام ١٧٦٢. وكان معاصرا للفيلسوف الاميركي جون راولز (١٩٢١-٢٠٠٢) مؤلف كتاب "نظرية في العدالة" عام ١٩٧١. لكنه تجاوز الاثنين في تصوره لاهم مسألتين تشغلان بال اي مصلح اجتماعي وهما الحرية العدالة. ليس من الضروري ان نقول انه اختلف او اتفق معهما، لكن من المؤكد انه اضاف اليهما فيما يتعلق بهاتين المسألتين. في الاولى، اي الحرية، اضاف الى ما قاله روسو فكرة تحرير الانسان من الداخل على اساس التوحيد، وفي الثانية، اي العدالة،  اضاف الى ما قاله راولز فكرة التضامن الاجتماعي، رغم ان الفيلسوف الاميركي اقترب كثيرا من الفكرة التي طرحها القران الكريم بقوله: "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ".

في ذكرى استشهاد الصدر، التي تصادف يوم التاسع من نيسان، لا تكفي العبارات التبجيلية بحقه، بل هو ليس بحاجة اليها. انما المهم ضخ هواجس التخلف والنهضة و الحرية والعدالة بالمزيد من الحيوية والالحاحية، ومواصلة بذل الجهد في الطريق النهضوي الذي رسم معالمه الصدر الشهيد، بمعنى ابقاء هذه المفردات في ذروة الوعي والحساسية الاجتماعية والمسؤولية لكي تكون محركات ودوافع كافية وذات طاقة حرارية عالية لادامة الحراك الاجتماعي الهادف الى تحقيق الاهداف السامية التي يستبطنها ويتضمنها المثل الاعلى المطلق للجماعة البشرية اينما وجدت في الارض.

ليس من مهمة هذا المقال رسم معالم الطريق ولا تحديد المهمات الحركية في طريق النهضة الحضارية، لكن لا يمكن اختتام هذه السلسلة من المقالات دون التأكيد على ان اشاعة منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة وتحويلها الى ثقافة سائدة واتجاهات سلوكية قائدة تشكل  شرطا اساسيا ومقدمة ضرورية في الحراك الاجتماعي السليم ببعده الحضاري.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك