د.عباس العطار
بعد سقوط وانهيار النموذج الديكتاتوري في عام 2003 سُرَّ العراقيون بهذا الحدث الكبير وحَلُمَّ المجتمع بأغلبيته بديمقراطية واعدة وحكم رشيد. كما حققته الامم الاوربية بعد ان تهاوت فيها سلطة الكنسية وسلطة الملك وتحولت الحياة الى مدنية الدولة وديمقراطية النظام السياسي.
لا شك ان تهاوي نموذج الرجل الواحد والحزب الواحد والعشيرة الواحدة ونظام العسكر في العراق، يعد انعطافة تاريخية مهمة في حياة الشعب العراقي الذي ذاق الويلات لسنوات طوال ونال ما ناله من الدكتاتورية من ظلم اضطهاد وانتهاك وقمع وتهميش وتمييز وتهجير وتغييب قسري واختفاء والواوات تترى، الا ان هذا التغيير لم يأتي بما تشتهي السفن.. ولا كل ما تمناه المرء ادركه، بعد ان حل نموذج السلطات متوزعا بين (سلطة الحزب والعشيرة والمال الفاسد وسلطة السلاح وكأن البلد بيع في مزاد علني طبقا لقول الشاعر طوقان ((كُلُّ شَيْءٍ مُعَدُّ لنا سلَفاً
منْ سينْزعُ أَسْماءنا عنْ هُويَّتنا : أَنْتَ أمْ هُمْ ؟ وَمَنْ سوْفَ يزْرعُ فينا خُطْبَةَ التّيهِ))
هذه السلطات لا تقل خطورة احدهما عن الاخرى، ما رسم لنا على هذه اللوحة الكئيبة افضى الى طوفان من نوع ثانٍِ تفرعت منه هياكل مجتمعية تكاد تكون اكثر خطورة على امن المجتمع وسلامته واستقراره الوطني.. فسلطة العشيرة التي باتت تهدد الحياة المدنية في كل مفصل تجلت سلوكياتها في الشارع والمدرسة والجامعة والدائرة وفي اعلى مواقع السياسة.. اما السلطة الشعبوية فهي الوجه الاخر للا انضباط في حركة التغيير وبانت معالمها ودلالاتها في الخطاب على صفحات التواصل الاجتماعي اذ ترى ان الغث من الخطاب هو الذي يتربع عرش الصدارة من التعليقات واللايكات والمشاركات والاشادة!!! فعلا اصبح واقعنا مرعبا مخيفا ينذر بقدوم قدر مشؤوم.
لا غربة اقسى واوجع من تلك الغربة التي يعيشها الواعون والمدركون والمشاهدون ما تحت المجهر ومن وراء حجاب ما يتعرض له مجتمعنا من تعريب وتهجير قسري لاسمى القيم والتقاليد التي تربينا عليها قبل توافد مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان بزيها المشوه وانموذجها الكسيح الا حرب ناعمة وافدة اسهمت السلطة السياسية والعشائرية الفوضوية والشعبوية في تنفيذها حتى عدها من ليس له نصيب من تلك القيم انها الانموذج الامثل في التعبير عن الحريات والجالبة للرفاه والاستقرار الذي يتطلع له العراقيون.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha