حسين فلسطين ||
عادةً ما تكون العقوبات الاقتصادية عبارة عن مجموعة تدابير فنية تتضمن اجراءات اقتصادية ومالية تفرض من قبل دول و منظمات دولية أو إقليمية على دولة أو تنظيم أو شركة أو اشخاص على خلفية القيام بأعمال مخالفة للقانون وتصنف على أنها اعمال عدوانية تهدد السلم والأمن الدولي وبالتالي فإن ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية على الطرف المعتدي كفيل بتقديمه تنازلات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية وهذا ما تم اتخاذه بحق العراق ابان حكم الطاغية المقبور .
ومما لا يقبل الشك أن العراقيين اكثر الشعوب فهماً للحصار الاقتصادي واكثرهم معرفة بظروفه ونتائجه نظرا لأثاره التدميرية التي خلفها فما يزيد عن (٤) مليون عراقي قتل جوعاً في عقد واحد من الزمن !
ولأن الشعب العراقي يدرك أسباب قرار فرص العقوبات الاقتصادية والياتها وطرق اتخاذها والأسباب التي توجب فرضها فمن الطبيعي أن يصاب الشارع العراقي بالدهشة والاستغراب كون ظاهر الامور لا تنبأ بوجود حصار اقتصادي على العراق اما باطن السوق فإن نار الغلاء الفاحش وندرة المواد الغذائية وشيوع ظاهرة الاحتكار يجعلنا نعيش صورة من صور الحصار الاقتصادي الجائر على العراق عام ١٩٩١ وهذا ما يجعلنا نبحث في أسباب ما آلت اليه الامور.
وفي ظل الصراع السياسي القائم في العراق وخضوعه لأطراف إقليمية ودولية تتحكم بقوى سياسية محلية فإنه من الطبيعي جدا أن نرى قرارات سياسية تميل للطرف الأقوى ودون الالتفات لمصالح الشعب و كيفية توفير العيش الرغيد دون تمييز أو مفاضلة بين أفراده ومكوناته وهذا مالم يتحقق للاسف خصوصاً في السنوات الأربعة الأخيرة التي كان عنوانها إرضاء الأحزاب الكردية وإن كان ثمن رضاها على حساب افقار الجنوب ، وبالتالي فإن خضوع بغداد لأحزاب كردية انفصالية فاسدة كان سبباً في إصدار قرارات عنصرية اتخمت بطون سياسيينهم فيما اجاعت غيرهم من أبناء المحافظات الجنوبية وبغداد بأساليب شيطانية ماكرة لا يجب السكوت عنها بالمطلق.
عمل الإعلام السياسي الفاسد على ترويض الشارع العراقي بأتجاه المعسكر الخليجي المدعوم أمريكياً تزامناً مع شنه حملات استهداف ممنهجة بالضد من الجارة ايران وكانت قضية المنافذ الحدودية ادسم المواد الخبرية والحوارية لتلك القنوات واسهل طرق الاستغلال لإثارة الفتنة الطائفية ، فحرب الاشاعات بدأت بأقذر طرقها فما نسمعه يومياً عن تسبب ايران بأيقاف الزراعة والصناعة وغيرها كان لأجل تصدير منتجاتها إلى العراق حسب زعمهم وإن مجرد إغلاق الحدود معها سيزدهر العراق ويغلب السواد على أرضه !!
وبالفعل تم إغلاق الحدود الجنوبية والشرقية مع الجمهورية الإسلامية في حين ابقت الحكومة على المنافذ الحدودية شمال العراق وبالتحديد منافذ الإقليم فأصبحت سلطات الإقليم تجني المليارات يوميا نتيجة تحكمها بأسعار السوق اضافة لما تفرضه من رسوم كمركية وبالتالي فإن سعر المادة الأساسية او الكمالية تجاوزت ثلاث اضعاف عن سعرها الحقيقي اضافة الى فرق الاسعار الكبير بين ما يباع في مناطق الجنوب وبين ما يعرض في المحافظات الشمالية والغربية !
ان طريق البحث عن المستفيد من إغلاق المنافذ والمعابر مع إيران بالتحديد للدلالة على صاحب القرار يجعلنا أمام أطراف عديدة وإن كانت السلطات الكردية أبرز المستفيدين إلا أن ذلك لا يعني أن الادارة الأمريكية والإسرائيليين اضافة للكيان السعودي وغيرها من دول التطبيع بعيدة عن وضع "فيتو الحدود " الذي ينتهك سيادة العراق وامنه ويجعلنا ندخل فعليا بأجواء الحصار الاقتصادي الذي بدأت بوادر ظهورة بقوة وسرعة كبيرتين في المحافظات الوسطى والجنوبية دون غيرها !
ولقطع الطريق عن المأزومين الذين اعتادوا مهاجمة اصحاب الأدلة والبراهين بأتهامات الولاء والتبعية كونها اكثر التهم رواجاً واسرعها انتشاراً لدى الجهلة والمنحرفين فأننا نستعرض بأرقام ونسب تقريبية حجم الخسائر المادية التي تحملها الشعب العراقي المسكين وإدارات المحافظات الجنوبية فالاقليم بات متحكماً بأستيراد اكثر من (٨٥%) من المواد الغذائية وغيرها مما جعله سيدا للسوق العراقي اضافة لما بجنيه من أموال كمركية كبيرة ، وأن الأمر لم يتوقف عند حدود السيطرة الكردية المطلقة على المنافذ بل تجاوز أكثر من ذلك بما تحمله هذه السيطرة من امتدادات سلبية على السوق العراقي ومحافظات الجنوب على وجه الخصوص فأكثر من (٩٠%) من العمالة الأجنبية مصدرها إقليم شمال العراق في ظل وجود نسبة بطالة تجاوزت ال(٤٠%) ، إضافة لأدخال سلطات الإقليم لمواد منتهية الصلاحية ومسرطنة وتسيوقها في الداخل العراقي وتحديدا في محافظات الجنوب بملايين الدولارات و عدم خضوع جميع المنافذ الحدودية والمعابر التي تتجاوز ال(٢٥) معبر ومنفذ للسلطات الاتحادية مما يعني خسائر كبيرة تتجاوز (١٠) مليار سنويا ، اما الحديث عن مسألة التهريب فحدث ولا حرج ولعل ما يكشفه النائب الكردي ( غالب محمد ) نقطة في بحر من الجشع المليشياوي الكردي وفساده .
ان كل ما تقدم من "موبقات فيتو الحدود " كان كفيلاً بحرمان المحافظات الجنوبية من الإيرادات الحدودية من خلال غلق منافذها الحدودية مع دول الجوار اضافة شيوع ظاهرة غلاء المعيشة وتجاوز الاسعار حدود الضعفين كأدنى حد للارتفاع .
أن وضع فيتو على حدود العراق الجنوبية والشرقية يندرج ضمن غاية أطراف داخلية و خارجية تحقيق مكاسب مادية وسياسية وسلطوية كذلك فإن الموضوع فيه عامل ضغط نفسي تمارسه تلك القوى على فئة محددة من مواطني الجنوب الذي يعيش حالة من عدم الاستقرار منذ فترة ليست بالقصيرة .
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha