عباس سرحان ||
في آب 2015 شرعت وزارة المالية العراقية بتنفيذ قرار وزيرها هوشيار زيباري برفع الضرائب او التعرفة الجمركية على منافذ الجنوب الى 15% بعد ان كانت 3% وجاء القرار على ما يبدو على خلفية اجراءات حكومية لمواجهة الازمة المالية.
لكن منافذ اقليم كوردستان استُثْنيَتْ من هذه الزيادة، وهو ما تسبب بموجة احتجاجات في الجنوب الامر الذي اضطر رئيس الوزراء في حينه حيدر العبادي، الى الايعاز لوزير ماليته " بحسب الانباء وقتها" ليتريث في تطبيق قرار زيادة التعرفة الجمركية لحين دراسته أكثر.
لكن الوزير طبق القرار ولم يتريث ولم يتدخل العبادي لايقاف اجراءات الوزارة، فحدث أن توقفت منافذ الجنوب تقريبا عن استقبال البضائع وتحول المستوردون الى طرق بديلة عبر كوردستان العراق وتركيا والاردن .
هذا القرار الكارثي تمخض عن انجازين: الأول أنه أوقف الاستيراد تقريبا من منافذ جنوب العراق البحرية فخسرت الموازنة الاتحادية وقتها واردات مهمة كانت تجنيها من الضرائب، ولم تجن ما طمحت له من قرار زيادة التعرفة الجمركية، وهنا يطل المثل الشعبي العراقي بقوة " جاء ليكحّلها فعماها".
والثاني أن القرار أنعش التجارة عبر الاقليم وحقق الاخير عائدات مالية مهمة لخزينة كوردستان لم تجن منها الحكومة الاتحادية شيئا.
فهل كان هذا القرار بريئا، وكفة ما أنجزه لصالح الاقليم واضحة ووزير المالية من هذا المكون المهم، أم أن القرار كان غير مدروس، والحال ان ابسط الناس اطلاعا ومعرفة ادركوا مخاطره على الجنوب وشخصوا حجم منافعه للاقليم؟!.
ومطلع العام الماضي اغلقت الحكومة الاتحادية منافذ العراق الجنوبية البرية مع ايران، وما زال الاغلاق ساريا بذريعة مواجهة تفشي فايروس كورونا، فحصل ان لجأ التجار في وسط وجنوب البلاد الى استيراد الخضار وسائر السلع الاخرى عبر منافذ الاقليم.
فارتفعت اسعار السلع في الجنوب وخسرت الحكومة الاتحادية ايضا واردات مهمة، فمن يفتي بهذه القرارات وهل يدرك خطورتها الاقتصادية على عامة الناس وعلى الدولة؟!.
نترك الاجابة عن هذا التساؤل لنباهة القاريء. ولكن حين التدقيق في تحولات حركة التجارة في العراق تبدو هناك ضغوطا وخططا من أطراف ما لانعاش منافذ حدودية على حساب أخرى، وتقديم منافع لدول وجهات على حساب جهات ودول أخرى.
اولا- التجارة مع السعودية: العراق ينوي زيادة عدد منافذه الى ثلاثة ولا يوجد حديث عن اغلاق المنفذين الحاليين بسبب كورونا بينما بلغ حجم التبادل التجاري مع السعودية 2018-2019 مليار دولار، وتحدث مسؤول عراقي عن استقبال منفذ عرعر 150 شاحنة كل ساعة.
ثانيا- التجارة مع الاردن: تحدث رئيس الوزراء الكاظمي عن طموحه بزيادة حجم التبادل التجاري مع الاردن الى خمسة مليارات دولار . وهناك مطالب اردنية بإعفاء كل البضائع المستوردة من الاردن من الضرائب بعد اعفاء 433 سلعة، ولم يتم اغلاق منفذ العراق مع الاردن بسبب كورونا .
ثالثا- التجارة مع تركيا: بلغ حجم التبادل التجاري 20 مليار و666 مليون دولار العام الماضي، ولم يتم اغلاق منافذ العراق مع تركيا بسبب كورونا.
وبعد التدقيق بحجم الاضرار والمنافع لقرارات اغلاق المنافذ الحدودية الجنوبية يتضح ما يلي:
1- أن اقليم كوردستان كان المنتفع الاول من هذه القرارات لكونه النافذة الرحبة التي لاتُغلق منافذها ويستخدمها التجار في العراق طرقا بديلة للاستيراد بعد اغلاق منافذ الجنوب، او رفع التعرفة الجمركية فيها.
2- حققت تركيا، السعودية والاردن منافع كبيرة وازداد حجم تبادلها التجاري مع العراق بعد اغلاق منافذ الجنوب، كما ان منافذها لم تُغلق تحت ذريعة الخوف من انتشار كورونا.
وهناك انباء عن قيام تجار اردنيين باعادة تغليف بضائع ليست اردنية وتصديرها للعراق على انها صنعت في الاردن بهدف شمولها بالاعفاء الضريبي.
3- السكان في وسط وجنوب البلاد المتضرر الاكبر من اجراءات اغلاق منافذ الجنوب ورفع التعرفة الجمركية فيها، وقد خسر الكثير منهم اعمالهم بينما يلاحقهم جميعا ارتفاع الاسعار .
الغريب أن هذا الإفقار المقصود لوسط وجنوب البلاد لا يتم الحديث عنه سياسيا، وتتجنبه حتى الكتل السياسية التي يُفترض أنها تمثل هذا الجزء المهم من العراق، فلم تطالب ولا كتلة شيعية واحدة بفتح منافذ الجنوب امام التجارة.
وحتى مع الزيادة المفرطة في اسعار الخضار في وسط وجنوب البلاد، لم تنبر الكتل الشيعية لمطالبة الحكومة بفتح المنافذ الحدودية لتخفيف الضغط المعيشي عن الفقراء من السكان ممن لا يجدون غير الخضار إداما.
نحن في الجنوب لسنا في قطاع غزة المحاصر من الاسرائيليين لنعاني بسبب اغلاق المعابر، ولم تعد الاجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا سببا كافيا لمواصلة اغلاق المنافذ، وعلى ممثلينا السياسيين أن يدافعوا عن حقوق جمهورهم.
https://telegram.me/buratha