محمد عبد الجبار الشبوط ||
لا جدال في ان العراق من الدول المتأخرة والمتخلفة الان. وهذه حقيقة يشعر بها كل عراقي كما تسجلها كل عام مؤشرات الامم المتحدة وغيرها من الهيئات والمنظمات ذات العلاقة. ويكفي ان نتذكر ان رواندا، الدولة الافريقية التي مزقتها الحرب الاهلية القبلية تتقدم الان العراقَ في معدل النمو السنوي.
ومن مظاهر التخلف الملموسة: نظام المحاصصة، والطائفية السياسية، والاقتصاد الريعي، وانهيار الانتاجية، وغياب سلطة القانون، والفساد السياسي والاداري، والفقر، والعطب في النظام التربوي، وتردي الخدمات في مختلف المجالات، وانحطاط مستوى وطبيعة الحياة، وتراجع درجة التهذيب الاجتماعي، والبطالة، وعدم تناسب مخرجات الجامعات مع حاجة السوق، وغير ذلك الكثير.
والتخلف هو تعبير عن اختلال حاد او اختلالات حادة في المركب الحضاري والقيم العليا الحافة به وبعناصره الخمسة، اقصد الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.
وفشلت حتى الان كل دعوات النهوض والتغيير التي صدرت منذ السنوات الاولى من عمر الدولة العراقية الحالية (١٠٠ سنة) بسبب قوة قوى الممانعة والتخلف من جهة، وبسبب غياب او عدم فعالية المبدأ الصالح، وهو الشرط الاساسي في النهضة، من جهة ثانية.
وقد دفع الكثير من دعاة النهضة وروادها ورجالها ونسائها حياتهم ثمنا للدعوة الى النهضة بسبب تمكن قوى التخلف من ازمّة الدولة والسلطة والثروة وعدم تمكن دعوات النهضة من اسقاطها وازاحتها عن المشهد السياسي.
وفي مقدمة هؤلاء كان الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر. صحيح ان الصدر كان في هيئته وملبسه ودراسته من رجال الدين، لكن صفته الحقيقية انه من رجال النهضة الذين عملوا على استثمار الدين، واعني الاسلام، وتوظيفه في معركة القضاء على التخلف، وتحقيق النهضة الحضارية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
لكن قوى الممانعة والتخلف وعلى رأسها النظام الدكتاتوري المقبور وجدت في اطروحة الصدر خطرا وجوديا ساحقا عليها فسارعت الى تطويق افكاره في البداية، فلما لم تنجح عمدت الى تصفيته جسديا واعدامه في مثل هذه الايام من عام ١٩٨٠.
ورغم مرور ٤١ عاما على استشهاده، فان الصدر مازال مغيبا عن سؤال النهضة، والمعركة ضد التخلف، وذلك لسببين جوهريين، اولهما القصور والتقصير في فهم واستيعاب البعد النهضوي في اطروحاته، وثانيهما عدم تبني الذين تصدوا للامر، بخاصة بعد عام ٢٠٠٣، للمعركة ضد التخلف، وللنضال من اجل النهوض والتنمية.
وفي ذكرى استشهاده، باتت الضرورة ملحة من اجل اعادة ترتيب اولويات الحراك السياسي والاجتماعي في العراق، وعلى الشكل التالي:
اولا، جعل المعركة ضد التخلف اولوية ملحة تسبق ماعداها.
ثانيا، تسخير كل الطاقات المجتمعية من اجل النهضة الحضارية والتنمية السياسية والاقتصادية والتربوية والثقافية.
ثالثا، الانفتاح على فكر الصدر، وتطويره، واتخاذه دليل عمل الحراك الحضاري المأمول للمجتمع العراقي.
وذلك، بالضبط، هو الطريق الى الدولة الحضارية الحديثة في العراق.
https://telegram.me/buratha