عادل الشويلي ||
قبل أيام كتب الحقوقي الأستاذ علي فضل الله مقالا تحدث فيه عن دستورية عمل مجالس المحافظات قدم خلاله مقترحا لإجراء تعديلا ( دستوريا ) لإقصائها مستفيدا من ( براءة إختراع ) حصل عليها نواب الشعب عبر تشريعهم لقانون 27 لسنة 2019 وهو قانون التعديل الأول لقانون إنتخابات مجالس المحافظات والذي تم بموجبه إيقاف عمل مجالس المحافظات والأقضية والنواحي والمجالس البلدية وهو قانون مخالف للدستور 100 % في إعادة لإنتاج صيغة وردت في القانون المذكور بتخويل اعضاء مجلس النواب في كل محافظة مهمة الإشراف على عمل المحافظ ونوابه وهي صيغة ( لا قانونية ولادستورية طبعا )
كما ان هكذا تعديل مقترح يعني فيما يعني تغيير جوهري لطبيعة النظام القائم على مبدأ اللامركزية الإدارية ويعطي الأحزاب السياسية ( التي اغلبها تمثل أس الفساد في العراق ) اليد العليا في التحكم بمقدرات المحافظات وكذلك يبعد أبنائها عن الإختيار المباشر لمن يمثل الإدارة المحلية لمناطقهم ويحيل صلاحية إنتخاب المحافظين ونوابهم لمجلس النواب الإتحادي في صيغة ( مركزية مقيتة ) تكرس سلطة أحزاب متهمة أصلا بالتسبب بسوءالأوضاع وصناعة الفساد الذي تعاني منه اغلب محافظات العراق عموما
إن هذا المقترح المعمول به أصلا منذ أكثر من سنة يبرره الأستاذ فضل الله بدعوى مكافحة ماأسماه فساد مجالس المحافظات علما ان من الثابت ان أغلب السادة المحافظين ومعهم اغلب نوابهم الكرام المبجلين قد إزدادوا فسادا وإفسادا منذ ان صدر قانون27 المشؤوم وبشهادة من أصدروه أنفسهم وليس غيرهم ( وشهد شاهد من أهلها ) بشهادات متواترة قطعية السند والدلالة وكان آخرها وليس أخيرها أيضا ما قاله النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي الأستاذ حسن كريم الكعبي الذي يعد عراب القانون المذكور قبل أيام وبصريح العبارة بأن هذا القانون كان متسرعا ومخالفا للدستور وتسبب بإرتفاع نسب الفساد في المحافظات وزيادة فساد أغلب محافظيها الذين إلى الآن لا السيد فضل الله ولا غيره تقدموا بمقترحات للحد من فسادهم أو تناولوه بالذكر ولو ( تلميحا وليس تصريحا ) فضلا عن فساد ( البعض من أعضاء مجلس النواب ) لأن هؤلاء سبقت لهم الحسنى فجزائهم يكون ( لايسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون )
اما دعوى كون هذه المجالس ترهق البلد ( ماليا ) وتمثل ترهلا إداريا والبعض من اعضائها متهم بالفساد مما يبرر البحث في صيغة دستورية لإلغائها فمردود عليها من وجوه عدة منها
أولا :
ان مجالس المحافظات من اهم واجباتها الرقابة على المشاريع ومنع الهدر المالي ومتابعة عمل السلطة التنفيذية في محافظاتهم وبالتالي فإن تكاليف عمل هذه المجالس لايمثل حتى نسبة 10% من الأموال التي يمكن ان تهدر من قبل المحافظين نتيجة لسوء التخطيط والقيام بمشاريع فاشلة وغير مجدية فضلا عن ما يمكن ان تمتد له أيدي بعض هؤلاء المحافظين من رشى وعلى حساب مصلحة المواطن وبما يضر بالمال العام
ثانيا :
ان السياسات التي تتبعها السلطات المركزية في توزيع أموال الموازنة العامة بين الأطراف تتسم بغياب العدلة ولو نسبيا وهذا يتطلب وجود مجالس للمحافظات تأخذ على عاتقها المطالبة بحقوق ابناء المحافظات ووضع الخطط التنموية والضغط من أجل تحصيل الأموال المخصصة للمحافظات مثل عائدات البترودولار او رسوم الضرائب المتحصلة من المنافذ الحدودية الموجودة في بعض المحافظات والتي عمدت الحكومات الإتحادية إلى عدم صرفها وتأخير إعطائها للمحافظات مما تسبب بتلكؤ العمل في كثير من المشاريع التي تخدم المواطنين
ثالثا :
ان الواجبات التي يقوم بها اعضاء مجلس النواب الإتحادي في الرقابة على العمل الحكومي ومتابعة أداء الوزراء ووزارات ومؤسسات الدولة يقوض إلى حد كبير من إمكاناتهم في متابعة شؤون محافظاتهم وعمل محافظيها فضلا عن عمل الدوائر والمؤسسات الحكومية في كل محافظة مما يجعلهم ( يضيعون المشيتين ) على ما يقول المثل العراقي فلا هم يستطيعون أداء دورهم على المستوى الإتحادي الوطني بالكفاءة المطلوبة ولا بإمكانهم متابعة اوضاع محافظاتهم لبعدهم اغلب الأوقات عنها وإنشغالهم بواجبهم في العمل النيابي
رابعا :
ان النظام اللامركزي ثبت انه الأنجح عالميا وتبنته أغلب الدول حتى التي كانت أشدها مركزية وعلى رأسها جمهورية روسيا الإتحادية لما يوفره هذا النظام من فرص تنموية للمناطق عبر مشاركة ممثليها في إدارة شؤونها وقدرتهم على تشخيص ما تحتاجه هذه المناطق ومجتمعاتها المحلية وتقليل الإعتماد عن المركز بهذا الخصوص وكذلك تلبية وتوفير الخدمات الآنية ( اليومية )
خامسا :
ان دول عربية عدة تعاني من الفقر منها فلسطين واليمن والأردن وتونس وغيرها وتشكل المساعدات ( الهبات والقروض الدولية ) الجزء الأعظم من إيرادات موازناتها وبعض منها يتلقى هبات حتى ( من الحكومة العراقية ) لترفد بها موازناتها ورغم ذلك تتبنى نظام اللامركزية الإدارية ولديها حكومات محلية لمحافظاتها وولاياتها ولديها مجالس بلدية في كل مدينة رغم التقتير الذي تتبعه هذه الدول في إنفاقها لشحة مواردها وذلك يعود لإدراك هذه الدول جدوى وجود هذه المجالس وإسهامها في تطوير مناطقها وهذه الدول لا يمكن ان تقارن إمكاناتها الإقتصادية بأي حال من الأحوال بما يتمتع به العراق من خيرات وثروات لا نعتقد ان رواتب اعضاء مجالس المحافظات ومجالس الأقضية والمجالس البلدية تشكل عبئا ماليا للدولة او تتسبب بهدر المال العام
سادسا :
ان اغلب وزارات ومؤسسات الدولة غير منتجة وتعاني من ترهل في جميع مرافقها وإنتاجية العامل العراقي ربما هي الأوطأ عالميا وعدد موظفي القطاع العام يبلغ عدة ملايين فهل يشكل عدد اعضاء مجالس المحافظات والمجالس الأخرى رقما تجاه جحافل العاطلين المليونية ( البطالة المقنعة ) هذه حيث أغلب المصانع الحكومية متوقفة عن العمل وفي كل وزارة موظفين فائضين عن الحاجة بنسبة تصل إلى 50 % وربما أكثر من ذلك بينما اعضاء مجالس المحافظات والمجالس الأخرى يبلغ عددهم بضع عشرات في كل محافظة وفي كل مدينة ويقومون بواجبات متعددة أسهمت بأقل تقدير بتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين وحدت لدرجة معينة من آفة الفساد رغم اننا لا ندعي بخلو مجالس المحافظات من بعض الفاسدين فهم ليسوا جميعا ملائكة ولكن ثبت من خلال التجربة عندما تم تغييب مجالس المحافظات والمجالس البلدية قسريا عبر قانون 27 الذي اوقف اعمالها ان هنالك زيادة في فساد اغلب المحافظين والمسؤولين التنفيذيين وتردي في مستوى الخدمات بعد غياب هذه المجالس التي وكما أسلفنا فإن الرقابة على عمل الدوائر التنفيذية والخدمية من صلب إختصاصها ٠
سابعا :
ان اغلب دول العالم او على الأقل الديمقراطية منها تمتلك جهازا قضائيا يعمل وفقا للقانون وله صلاحيات واسعة لمحاربة الفساد ومحاسبة المتسببين به وأحيانا يطال القضاء حتى رأس السلطة الحاكمة في بعض البلدان
ان تفعيل دور القضاء والإدعاء العام في مكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين به عبر ضمان إستقلالية عمله إحدى الضمانات الأكيدة لمنع الفساد او الحد منه وفي المحافظة على المال العام
ان العراق ليس بلدا فقيرا وما يحتاجه هو حسن إدارة الموارد والحرص على أداء الواجب والتقيد بالدستور والقوانين لضمان الأداء الأفضل وتحقيق التنمية المطلوبة ومن ذلك إعطاء التخصيصات المالية للمحافظات وإحتسابها على أسس عادلة وان تشرك مجالس المحافظات الإدارات المحلية ومجالس الأقضية والمجالس البلدية في خططها الخدمية والتنموية ولا تحتكر التصرف بالتخصيصات المالية للمحافظات بل يجب عليها إشراك المجالس البلدية ومجالس الأقضية عبر إدماج ما تقترحه هذه المجالس من مشاريع لمناطقها ضمن خططها وتوفير الأموال اللازمة لها وان تعمل على تحسين أدائها في تحقيق مصادر دخل أخرى لموازناتها وعدم الإعتماد فقط على ما يردها من تخصيصات من الحكومة المركزية وذلك عبر تحسين جباية الضرائب المستحقة التي يوجبها القانون على ارباب العمل واصحاب المهن والشركات الخاصة وكذلك الأموال المتحصلة من إستغلال عقارات الدولة وعبر تنفيذ مشاريع إستثمارية صناعية بالدرجة الأساس وإستقطاب الإستثمارات الخارجية لذلك وفقا لشروط وضوابط تضمن مصلحة البلد ومصالح المحافظات وأبنائها
عندها ورغم ان الدستور يحتاج الى التعديل في كثير من فقراته إلا اننا ربما لا نحتاج الى تعديل المواد الخاصة بالمحافظات أو إلغاء مجالسها التي لديها صلاحيات دستورية واسعة ومهمة تستطيع من خلالها تحقيق نقلة نوعية في اوضاع المحافظات خصوصا إذا ما وفرنا لها العمل في بيئة قانونية وإدارية سليمة.
https://telegram.me/buratha