محمد صادق الهاشمي ||
1/ تحوّل العراق في زمن صدام حسين وعلى أثر الحروب والحصار الاقتصادي إلى مرتع لدخول الأفكار الفاسدة ، والأخلاقيات الخطرة ، واللوبيات ، والمنظمات المتطرّفة كالقاعدة ، واتسعت خلايا الخطف والاحتيال , والجدير بالذكر : إنّ هذه الظواهر الفاسدة لم تكن مقتصرةً على مرحلة صدام حسين وحدها ، بل هي ملازمةٌ لكلّ الأنظمة التي توالت على حكم العراق ، ويكفي أنَّ طاهر يحيى رئيس وزراء حكومة عبد السلام عارف ، كان يلقبه المجتمع العراقي بـ : ( أبو فرهود ) ؛ لكثرة سرقاته . أمّا في الفساد الاخلاقي : فإنَّ المقام يطول ، وكشاهدٍ على ذلك : إنَّ خال صدام حسين ( خير الله طلفاح ) طلبت زوجته الشيعية الكربلائية منه الطلاق ؛ لأنّها وجدته وآخرين بوضعٍ غير لائقٍ به أخلاقياً. ( شامل عبد القادر ) .
2/ ويوجد من يذهب إلى أنَّ للفساد الأخلاقي ، وانتشار اللواط في الطبقة الحاكمة في العراق جذوراً أساسها المماليك الذين حكموا العراق؛ إذ كانوا صبية يُشترَون زمن الوالي حسن باشا كي يكوّن منهم جيشاً بديلاً عن الجيش الانكشاري الذي دبّ فيه الفساد والتراجع والتفكك ، وهؤلاء الصبية يُشترَون من جورجيا ، ومن قبائل الشركس ( المماليك ) ، ويتم ادخالهم في مدارس لتدريبهم ، وتعليمهم اللغة العربية والتركية ، وفنون القتال ، والولاء للسلطان العثماني ، ولكنّهم يمارسون اللواط فيما بينهم ، ولطالما تجاوز عليهم الحكام ، ثم تاجروا بهم للأغنياء وللولاة في بغداد, علما ان المماليك حكموا العراق (80 ) عاما . وعليه إنّ حديث الفساد الإداري أمرٌ موجودٌ من قرون ممتدة في تاريخ العراق الحديث ، وترَكَّزَ في الثقافة العراقية أثرَ حكم العثمانيين .
3/ أمّا موضوع المال الذي أهدرته الأنظمة العراقية خلال القرن العشرين أثرَ الفساد المالي والإداري ؛ فقد قدّرت مراكز الدراسات العالمية الأموال التي هدرت وسرقت في زمن المرحلة الملكية فبلغت أكثر من 43% من ثروات الدولة ، إذْ كلّها تحولت إلى أملاكٍ خاصّة. وفي زمن عبد الكريم قاسم تقلّصت لتصل 17 . 8%( ) . وفي زمن عبد السلام عارف بلغ الفساد المالي 31 . 7%. وفي زمن صدام أكّدت الدراسات أنَّ ثروات العراق النفطية كلّها اُنفِقت في الحروب ، وملذاته الخاصّة به ، بل خرج العراق من الحرب وهو مَدين بما قيمتة 160 إلى 200 مليار دولارمع الفوائد . هذا زائداً على ما يقوم به الحكام من توزيع الأراضي ، والأموال ، والقصور ، والوظائف للمقربين منهم وحرمان الشعب من أموالهم وثرواتهم ، وأثرَ هذا الفساد تبرز طبقية عالية ، وتفاوت في المستوى الاجتماعي ، والمالي ، والثقافي بين أفراد الشعب العراقي ، في حين يكون لطبقة محددة من المكوّن السُني تاريخياً الحظوة العليا ، وللمقربين منهم ، وهكذا الأقرب فالأقرب . وبطبيعة الحال هذا الفساد بكل أبعادة انعكس على العمل السياسي والحكومي ، فأدّى إلى الفوضى والاضطراب السياسي ، وصار سبباً للانقلابات ، ومسوغاً للاغتيالات ، وأدّى في ما يؤديه إلى تراكم ثقافةِ عدمِ الثقة بين أفراد الشعب العراقي ، وعموم الإدارات العليا ، وحكّام العراق . فتلحظ أدبيات العراق وإصداراته ، وشعره ، ونثره ، يتحدث عن عدم ثقة المواطن العراقي بالمسؤولين ، واتهامه إيّاهم بالفساد ، والرشوة ، والسلب والنهب ، فأبرز ما قيل في العصر الملكي من شعرٍ أبياتٌ بقيت تردّد على ألسنة العراقيين مثلاً :
يا بائع الفجل بالمليم واحدةً كم للعيال وكم للمجلس البلدي
من المهم – وهو هدف المقال – ان لا تنسي الاجيال ثقافة الفساد التي قامت بها الانظمة السنية التي حكمت العراق وما زالت .
https://telegram.me/buratha