المقالات

 مصلحة العراق في التوافق الايراني-السعودي-الاميركي


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

اذا صح انه لا صداقات دائمة في العلاقات الدولية، فانه يصح ايضا انه لا عدوات دائمة فيها. واوضح مثال على ذلك هو العلاقات الصينية الاميركية في عهد ماوتسي تونغ- نيكسون وكيف انتهت العداوة بينهما على اساس المصالح المتبادلة بين الطرفين.

نفس الامر يمكن ان يقال بشأن العلاقات الايرانية-الاميركية، والعلاقات الايرانية-السعودية.

فالمعروف ان هذه العلاقات شهدت خصومة متواصلة منذ سقوط نظام الشاه وقيام الجمهورية الاسلامية بقيادة الامام الخميني في عام ١٩٧٩، وهي خصومة تحركها المصالح المتضادة لايران من جهة، وللولايات المتحدة والسعودية من جهة ثانية. وهي شبكة مصالح معقدة تتداخل فيها العوامل الدينية والطائفية والاقتصادية والسياسية بشكل يصعب حل عقدها، كما تستخدم فيها الكثير من الادوات للضغط المتبادل على اطرافها. وبالتأكيد فان اطراف الصراع يدركون ان كلفة العلاقة الصراعية اكثر من كلفة العلاقة الطبيعية، لكن الوصول الى شاطيء العلاقة الطبيعية قد يكون احيانا اصعب من الاستمرار في العلاقة الصراعية، كما عبر ماكبث في مسرحية شكسبير الشهيرة. لان كلف السلام تتعلق باستراتيجيات المهابة والسيادة والتوازن في القوى والمصالح والمكاسب والخسائر.

لكن الصراع طويل الامد متعب، واطالته مجهده لاطرافه كافة، ولابد لهم في نهاية المطاف ان يجلسوا على طاولة المفاوضات. وهذا ما حصل الان حيث تجرى "مباحثات" ايرانية-اميركية غير مباشرة في فيينا بمعية دول اوروبية، ومباحثات ايرانية-سعودية على الارض العراقية. وعادة لا تلجأ الاطراف المتصارعة الى المفاوضات الا بعد ان تتوفر لديها الارادة السياسية للتوصل الى اتفاق. وهذا لا يحصل الا في حالتين: انتصار احد الطرفين على الاخر، او شعورهما معا بالتعب من استمرار الصراع. ويبدو ان الحالة الثانية هي التي قادت الاطراف الثلاثة الى فيينا وبغداد بعد ان وصلا الى قناعة بامكانية تحقيق توافق على مصالحهما عن طريق التفاوض وليس عن طريق الصراع المسلح او السياسي.

وتقول التصريحات العلنية ان المباحثات تسير باتجاه مريح في محوريها ما يعزز الامل بامكانية توصل المفاوضين الى اتفاق. المفاوضون الايرانيون بارعون، والمفاوضون السعوديون متعبون من حرب اليمن، والمفاوضون الاميركيون حريصون على ابطال سياسات الرئيس السابق ترامب الشعبوية. وهذه عوامل تساعد على نجاح المفاوضات.

شاء العراق ام ابى، فانه واقع في وسط حلبة هذا الصراع الثلاثي. والموقف العراقي معقد ايضا. فهو يحتفظ بعلاقات خاصة مع الولايات المتحدة منذ سقوط نظام صدام. كما يحتفظ بعلاقة اكثر خصوصية مع ايران. والخصومة مع السعودية لا تنفع العراق في المحيط العربي. ولذا فان من مصلحة العراق ان تتوافق هذه الاطراف الثلاثة فيما بينها، لان التوافق الثلاثي سوف ينعكس ايجابيا على الارض العراقية التي  تتوفر فيها كل امكانية ان تتحول الى ساحة تصفيات وصراعات بالنيابة عن الاطراف الثلاثة. ومع ان العراق ليس طرفا مؤثرا بمجريات المباحثات، الا انه طرف متأثر بنتائجها سلبا او ايجابا. لهذا ينظر المراقبون العراقيون بترقب ممزوج بالامل الى هذه المباحثات، الامل بنجاحها وتحرر العراق من المضاعفات السلبية للصراعات التي ليس له فيها ناقةٌ او جمل. وهنا يأتي الحديث عن المصلحة العراقية، فليس بالضرورة ان تتطابق المصلحة العراقية مع المصالح الايرانية والسعودية والاميركية؛ لكنها تتطابق مع التوافق بين الاطراف الثلاثة. من مصلحة العراق ان يتفقوا، وليس من مصلحة العراق ان يتصارعوا، وان يتصارعوا على ارضه من باب اولى. وعلى قاعدة التوافق الثلاثي، فانه ليس من مصلحة العراق التخاصم مع الاطراف الثلاثة، بل من مصلحته حل "المسائل العالقة" على اساس المصالح المتبادلة. وفي نهاية المطاف سوف يدرك الجميع انه لا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، وانما مصالح دائمة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك