عباس سرحان ||
هدأ أزيز الطائرات ولم تعد تحلق كثيرا في سماء البصرة واقتصرت حركتها على ارتفاعات عالية. التقط الناس المتعبون من الخوف وقلة المؤن فرصة الهدوء وراحوا يتفحصون حجم الخراب الذي ألحقته عمليات القصف الجوي التي استمرت اسابيع.
طال القصف كل شيء حتى دور العبادة، فضلا عن الجسور والمناطق السكنية والمعامل والمصانع وتناثرت اجساد الاف الجند العراقيين بعد ان استهدفتهم طائرات امريكا وحلفائها من العرب وغيرهم بينما كانوا منسحبين.
كل شيء كان يوحي بانفجار شعبي وشيك، فأبناء المدن الجنوبية رأوا بأعينهم وطنهم ينهار وابناء جيشهم يُقتلون دون رحمة، وآلمهم أكثر استخفاف صدام بأرواحهم وممتلكاتهم، فقد أمر صدام الجيش العراقي بالانسحاب من الكويت تحت القصف وقبل أن يؤمّن له ظروف انسحاب مشرّفة.
تساؤلات مؤلمة تبادلها العراقيون عن جدوى غزو الكويت، وجدوى الانسحاب منها، ولماذا أصرّ صدام على دخول الكويت والعراق خرج تواً من حرب استمرت ثمانية أعوام مع ايران.
رأى العراقيون كيف أن صدام بدأ حربه ضد ايران لأسباب قال انها مشروعة، فقد طالبها بشط العرب كاملا، ومخافر حدودية سبق ان تنازل عنها .
لكنه تراجع مرة أخرى عن مطالبه تلك فأقرّ بالتنازل عن نصف شط العرب ونسيَ مخفري" خضر وهيله" بعد ثمانية أعوام من الحرب خسر فيها العراق كل شيء وحمّلته الأمم المتحدة مسؤولية البدء بها، ووقع ثانية اتفاقا الزم نفسه فيه بالعودة الى بنود اتفاقية 1975 التي مزقها بنفسه.
ومع ذلك لم يستفد صدام من الدرس فغزا الكويت ليدمر ما تبقى من العراق ويضعه تحت الوصاية الدولية والحصار وينهي سيادته واستقلاله.
هذه الأسئلة كانت تتردد على ألسنة العراقيين فتثير غضبهم وحزنهم ويأسهم من المستقبل، وفي الخامس عشر من شعبان ، 3/ اذار 1991 خرج آلاف الشباب في محافظة البصرة مدفوعين بهذا الغضب والألم فأطاحوا بالمؤسسات القمعية التابعة لنظام صدام .
وامتدت انتفاضة الجنوب لمدن أخرى ووصلت أطراف العاصمة بغداد ورفع فيها الجنوبيون شعارات التنديد بالنظام ورأسه صدام حسين، وطالبوا بتمثيل سياسي حقيقي في حكم البلاد.
( للحديث بقية)
https://telegram.me/buratha