محمد عبد الجبار الشبوط ||
قلبي، قبل عقلي، ينبئني ان فاجعة ابن الخطيب قد لا تكون الحدث المنفصل او المنعزل عما سوف يأتي بعده. بل ان الفاجعة الاليمة قد تكون القشة (وما هي بقشة) التي سوف تقصم ظهر البعير. البعير المثقل بالالام والهموم والنكبات والذي لم يعد قادرا على تحملها والسير بها (والامثال تضرب ولا تقاس). وليس امام البعير الا احتمالان: ان يسقط هو بالضربة القاضية، او ان يُسقط هذه الاحمال ويستأنف السير في طريق موصل الى الامان.
فاجعة ابن الخطيب عرّت النظام السياسي الحالي كله. فليس هناك من شك في ان هذا النظام عاجز عن توفير ادنى الضمانات لمواطنيه، في مختلف المجالات. فحادثة من هذا النوع لا تحصل الا في دول قابعة في قاع السلم الحضاري، حيث التخلف المتعدد الوجوه والاشكال هو الحالة السائدة. واذا كان للحكومات الدور الاكبر في الارتقاء بمجتمعاتها المتخلفة، كما حصل في ماليزيا وسنغافورة ورواندا، فان الحكومات المتعاقبة على حكم العراق، وأسوأها الحكومة الراهنة، غير قادرة على الاخذ بالعراق خطوة واحدة في طريق التقدم ونزع اسمال التخلف.
واذْ تتجه البلاد نحو انتخابات "مبكرة" بالوصف وماهي كذلك، فان بعض المحللين يتخيل اربعة سيناريوهات متوقعة عناوينها العامة هي: الاحزاب التقليدية، الاحزاب الجديدة، الولاية الثانية، الثورة الشعبية. ولكن لا يبدو اي من هذه السيناريوهات واعدا بنقلة حضارية كبيرة.
فالاحزاب التقليدية لن تكون قادرة الا على اعادة انتاج فشلها لو عادت الى الامساك بالحكم بعد الانتخابات. فهذه الاحزاب التي شاركت بحكم العراق خلال السنوات الماضية لا تملك رؤية حضارية لبناء دولة حديثة، ولا قدرةً على ممارسة الحكم الرشيد، فضلا عن غرقها في بحر متلاطم الامواج من فساد وصراعات وقصور وتقصير.
والاحزاب الجديدة، او الاحزاب التشرينية كما يسمونها، احزاب الخصومة مع الكل دون القدرة على تقديم البديل الحضاري القادر على انتشال العراق من الهاوية التي ينحدر اليها بسرعة. وكما قال لي صديق فان القوم محترفو تظاهرات وهواة سياسة.
والولاية الثانية من اسوأ الخيارات الممكنة. فحكومة المبخوتين بقيادة الامي لم تفعل خلال سنة واحدة من تولي الحكم سوى تعميق معاناة العراقيين، من تغيير سعر صرف الدينار، الى تقليص القدرة الشرائية للمواطنين، الى العجز عن استعادة هيبة الدولة، ضمن قائمة اطول من الانتكاسات المتتالية.
ويبقى خيار الثورة الشعبية الاقرب الى الحلم الرومانسي الذي يداعب مخيلة الانسان في مرحلته العمرية الشبابية، ثم ما يلبث ان يتلاشى ويخفت ضياؤه.
واذْ تعجز كل هذه الخيارات المتخيلة عن تقديم وعد الاصلاح، لانها لا تملك اصلا القدرة على ذلك، لا يبقى بايدينا سوى فكرة الدولة الحضارية الحديثة التي هي "سفينة النجاة" ووصفة الخلاص من كل اشكال المعاناة التي نبتت اشواكها السامة على تربة التخلف المزمن منذ قرون في المجتمع العراقي والذي انتج او ساعد على انتاج كل الانظمة الفاشلة والحكومات الفاسدة منذ عام ١٢٥٨(عام سقوط بغداد بيد البدو المغول) والى اليوم.
ولكن فكرة الدولة الحضارية الحديثة تحتاج، حتى تكون دافعا محركا للمجتمع الى الامام، ان تتحول الى مثل اعلى في عقول ونفوس الناس، ونموذجا كاملا لبناء الدولة يتقبله الجمهور، ويؤمن بامكانية تحققه في مدى زمني معقول. تحتاج هذه الفكرة الرائعة والرائدة ان يمسك بها بقوة فريق واع من الناس، او اقلية مبدعة منهم، كما يصطلح توينبي، او "أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ"، كما يدعو القران الكريم، لتكون هذه هي الخطوة الاولى في مسيرة الالف ميل!
https://telegram.me/buratha