المقالات

الحركة الاصلاحية


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

انا بطبعي متفائل. وسبب تفاؤلي هو الاية القرانية القائلة: "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ". وانا افهم من الاية الكريمة ان البشرية، والمجتمع العراقي احد مفرداتها، سائرة في طريق النمو والتكامل حتى تحقيق القيم الحضارية العليا المتطابقة والمنتزعة من صفات الله كالعدل والعلم والقوة والتسامح وغيرها. ذلك ان مصطلح "لقاء الله" لا يحيل الى حادثة مادية فيزياوية وانما يتحدث عن حادثة قيمية معنوية.

ولكني كلما قرات قائمة الاحزاب والتحالفات المعلنة من قبل المفوضية العليا للانتخابات، اشك في قدرتها على دعم هذا التفاؤل بدليل ملموس، لان القائمة لا توحي بان "المجتمع السياسي" المؤلف من هذه القائمة الطويلة سائر في طريق موصل الى تحقيق القيم الحضارية العليا، لأن القائمة تشير الى ان اصحابها لم يدركوا حتى الان مستلزمات التكامل في المسيرة الانسانية ولا مستلزمات الاصلاح في المجتمع العراقي.

قصتنا العراقية مع الاصلاح قديمة بدأت منذ قيام الدولة العراقية مطلع القرن الماضي. فرغم كل الحسنات المسجلة لصالح النظام المالكي السابق، فان مستلزمات بناء دولة حضارية حديثة، بما في ذلك عنصر المواطنة، لم تكن متوفرة انذاك. ورغم ان "الضباط الاحرار" الذين اسقطوا النظام الملكي واقاموا الجمهورية طلبا للاصلاح بزعمهم، فانهم سرعان ما اكل بعضهم البعض الاخر، لينتهي الامر بزعيمهم قتيلا برصاص الانقلابيين البعثيين الاشد تخلفا وضررا على المجتمع العراقي. وكانت الاربعون سنة التي تلت تجميدا قسريا لمسيرة التكامل في المجتمع العراقي، وايغالا في التخلف والانحراف عن القيم الحضارية العليا، وعبوديةً لصدام كفيلة بقتل كل نوازع الخير في الانسان المستعبَد.

واذا كانت امال الاصلاح والتقدم انتعشت قليلا بسقوط صدام بثمن باهض، فان هذه الامال سرعان ما تبخرت بتشكيل مجلس الحكم بطريقة اشرت منذ وقت مبكر الى انحراف مسيرة البشرية في مقطعها العراقي عن الخط السليم. وتراكمت عيوب التأسيس فسادا وعوقا وتجاهلا لدعوات الاصلاح في وقت مبكر من بداية الانحراف، وذهبت سدى تلك الدعوات والاصوات بما في ذلك دعوات المرجعية الدينية والنابهين من الكتاب والاعلاميين حتى انفجر الوضع في التظاهرات الاحتجاجية في شهر تشرين الاول من عام ٢٠١٩ بفعل عوامل عديدة ليس فساد الاوضاع سببها الوحيد. وتفاءلت المرجعية الدينية بذلك، ومعها عدد كبير من الناس، الى درجة انها استخدمت مصطلح "الحركة الاصلاحية" في ٨ تشرين الثاني من ذلك العام في وصف التظاهرات الاحتجاجية. لكن الامال ما لبثت ان خابت بعد الانحرافات والاحداث والاختراقات الكثيرة التي حصلت، وافرغت "الحركة الاصلاحية" من مضمونها الحضاري الاصلاحي المطلوب.

واليوم، اذْ يبدأ العد التنازلي للانتخابات الموصوفة نفاقا بانها "مبكرة" يتضح جليا ان "المجتمع السياسي" لم يعِ الدرس، ومازال يسير في نفس الطريق ذي الباب المسدود، الطريق الذي لا يمكن ان يوصل الى الاصلاح المنشود.

كان المفروض ان تتحول الدعوة الاصلاحية الى تيار جماهيري عريض، هادر، يخوض المعركة الانتخابية بصوت واحد، يحقق الفوز الكاسح الذي يقود المجتمع والدولة نحو الاصلاح الحقيقي، ولكن هذا لم يتحقق لاسباب كثيرة انا على وعي بها، لكن الحديث عنها في هذه المقالة غير مجد الان.

مازال المجتمع العراقي بحكامه ومحكوميه، بمرشحيه وناخبيه، بعيدا عن المجرى الحقيقي لنهر الاصلاح، وبعيدا عن قطار الحضارة البشرية الذي يواصل سيره دون ان يتوقف لالتقاط المتخلفين عنه.

لكن هذا التشخيص ليس دعوة لليأس والقنوط والتراجع، انما هو مكاشفة صريحة بنقاط الخلل والحقيقة المؤلمة من اجل يقظة الوعي وتحريك الهمم، كي ينهض المحبون لوطنهم لخوض معركة الخلاص من التخلف والفساد والفقر بهمة اعلى ونظم اقدر على تحقيق الاهداف.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك