عباس سرحان ||
لمن لايرى بوضوح مسار الوضع العام في العراق، نقول ان البلد يسير باتجاه سلب الإرادة الوطنية ومصادرة ما تبقى من قراره السيادي، ولاشك أن من يعمل على الدفع بهذا الاتجاه هي الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها الاقليميون والمحليون.
وتحقق هذه الاطراف من وراء مصادرة الارادة العراقية اهدافا متعددة، منها توقف الاعمار والبناء ونهب الثروة الوطنية وتعطيل الدور الاقليمي والدولي للعراق وإلحاقه بركب دويلات المنطقة التي لايملك حكّامها حق تسمية ولاتهم دون إذن من الادارة الامريكية.
والأهم من هذا وذاك بقاء العراق تحت رحمة الدول القوية لأنه لايستطيع ان يبني جيشه او يحمي حدوده ولن يتخذ قرارا مستقلا حتى وان كان في صالحه وتدور قراراته في دائرة خدمة الاطراف المسيطرة عليه.
كان واضحا منذ البدء أن احتلال العراق لم يكن بهدف نشر الديمقراطية كما زعمت الادارة الامريكية وقتها، فمن ينشر الديمقراطية لابد أن يؤسس نظاما سياسيا ناجحا يقوم على أسس الديمقراطية وليس على اسس المحاصصة التي شلّت البلاد وحولتها الى اقطاعيات.
اذن احتلال العراق كان بهدف الهيمنة عليه وعلى ثرواته وتحويله الى قاعدة امريكية متقدمة في المنطقة واستثمار مشاعر الكراهية والغضب عند اغلب العراقيين ضد النظام السابق، لتأسيس قواعد امريكية في العراق برضا ابنائه بعد ان حاولت امريكا تصوير نفسها على انها صديق حميم للعراقيين.
غير ان الادارة الامريكية فوجئت بحملة من الرفض والمقاومة المسلحة والسلمية دفعتها الى الإذعان للقرار العراقي والانسحاب من العراق في 2011، لكنها سرعان ما عادت من الشباك تحت عباءة مواجهة تنظيم داعش الذي تشير كل الدلائل والقرائن الى كونه صناعة امريكية.
من الواضح إذن أن القرار العراقي القوي والمستقل الذي أجبر امريكا على الانسحاب في 2011 قد أربك الحسابات الامريكية وقتها، فعادت في 2014 وهي تحمل مشروعا لقتل هذا القرار أو شلّه وجعل الدولة العراقية بلا ملامح تعاني من التشرذم والضعف حتى لا تتمكن من اتخاذ قرار جديد يرغم امريكا على المغادرة.
وهذا ما عملت عليه ادرة البيت الابيض مستثمرة في الاحتجاجات الشعبية مرة وفي الظروف السياسية مرة أخرى، فأطاحت برئيس الوزراء السابق لأنه حاول التحرك بعيدا عن سيطرة صانع القرار الامريكي واتجه شرقا نحو الصين.
وامريكا تراقب الاداء الحكومي اليوم لتجعله في مسار يخدم مصالحها واهدافها في المنطقة، وتلوح بفرض عقوبات امريكية على العراق مرة وباثارة الاحتجاجات مرة اخرى كلما تعالت اصوات تدعو الى تحرير القرار السيادي العراقي.
ومن الواضح ان كفّ الهيمنة الامريكية بات يغطي اجزاء واسعة من خارطة العراق السياسية والقوى التي ما زالت تصارع هذه الهيمنة اصبحت تعاني من ضغط امريكي كبير لجعلها تنصاع وتذعن لامريكا.
إذن ما العمل؟
بالتأكيد هناك انقسام حيال وجود القوات الامريكية في العراق وتدخل ادارة البيت الأبيض في الشأن العراق، فحلفاء امريكا من العراقيين لا يقبلون برحيلها ويتهمون كل من يطالب بذلك بانه يسعى للاستئثار بالقرار الوطني.!
ومعارضو هذا التواجد والتدخل الامريكي يستندون الى ان الديمقراطية تعني الاذعان لقرار الاغلبية وأن قرارا يلزم امريكا بسحب قواتها صدر في وقت سابق من مجلس النواب العراقي ويجب تطبيقه، وعلى هذه القوى أن توحد خطابها وجهودها وتصر على تطبيق هذا القرار.
وبغير ذلك فإن العراق يسير بسرعة نحو اللادولة وسيتحول الى كيان يتحكم به ضابط اتصالات في السفارة الامريكية او في قاعدة عين الاسد وستتم مصادرة ثرواته وتجويع شعبه وهذا ما لايليق بالعراق وشعبه وتاريخه العظيم.
https://telegram.me/buratha