عدنان جواد ||
من خلال مطالعة كتاب اعترافات قرصان اقتصادي ، الاغتيال الاقتصادي للأمم للمؤلف جون بركنز، اوجزنا ما نستطيع ايجازه ، وفيه تجسيد واقعي لسياسات الولايات المتحدة في العالم، من خلال خنق الدول غير المرغوب بأنظمتها او التي لا تتجاوب مع مصالحاها اقتصاديا، فهي تخلق الذرائع والحجج لتسند تحركاتها في اغتيال الحكام والشخصيات المهمة في بلدانها او احتلال تلك الدول لدافع اقتصادي، فمثلا بنما حكمت لأكثر من نصف قرن بعائلات ثرية تابعة لواشنطن لم يتعرض لها اي رئيس امريكي ، الى ان تجرأ( عمر توريخوس)الذي رفض الهيمنة الامريكية للسير على نهج رئيس الاكوادور الذي اراد فرض سيادة بلاده على مصادر النفط فتم قتل الاثنين منفردين في حادثين منفردين في تحطم طائرتين مدبرتين، فينضم هؤلاء الى قائمة طويلة من زعماء العالم الثالث مثل( مصدق)في ايران و(سلفادور اللندي) في تشيلي، و(نورويجا) في عقر داره بعد حرق احياء بالكامل، واستندت الولايات المتحدة الامريكية في الغزو على مبدا الرئيس مونرو الذي صدر عام 1823 والذي يعطي الحق للولايات المتحدة الامريكية في غزو اي بلد في امريكا الوسطى والجنوبية يعارض سياساتها، وفي النصف الثاني من القرن العشرين استغلت امريكا التهديد الشيوعي وجعلته ذريعة لتطبيق هذا المبدأ على بقية دول العالم.
ما يهمنا في هذا الكتاب ما يخص العراق، فيقول( بيركنز) ان العراق ليس فقط هو النفط ولكن ايضا المياه والموقع الاستراتيجي والسوق الواسعة للتكنلوجيا الامريكية ولخبرتها الهندسية، وكانت هناك ثلاثة دول يراد اخضاعها للنفوذ الامريكي واستبدال حكامها، فتم استبدال العراق بفنزويلا التي تعتبر رابع مصدر للبترول في العالم وثالث مورد للولايات المتحدة الامريكية، وقد تأزمت الامور عندما قام(شافيز) بالإعلان عن سيطرة بلاده على البترول في عام 2002، فحاولت ادارة بوش قلب نظام حكم شافيز الا انه عاد الى الحكم بعد72 ساعة لان الجيش كان معه، فالعراق ومنذ عام 1989 بات واضحا للنخبة الامريكية التي ساندت صدام حسين في حربه ضد ايران انه لن يسير في السيناريو الاقتصادي المرسوم له، فجاء الغزو الامريكي للعراق لينقذ فنزويلا مصادفة، فلم يكن بالإمكان للإدارة الامريكية شن الحرب على افغانستان والعراق وفنزويلا بنفس الوقت.
يرى (بيركنز) ان الامبراطورية العالمية الامريكية تعتمد على الدولار، كون الدولار العملة القياسية الدولية، وان الولايات المتحدة الامريكية الدولة الوحيدة التي يحق لها طبع الدولار، فقد صرح كبار مسؤولي الشركات الامريكية بالقول بان( ماهو في صالح جنرال موتور فهو في صالح امريكا) وراينا كيف منعت تلك الشركة الشركات الالمانية والصينية منافستها في العراق طوال 18 سنة من الاحتلال فبقت الطاقة الكهربائية مفقودة، حيث بسطت المؤسسة الاقتصادية الامريكية نفوذها على باقي المؤسسات الاخرى السياسية والعسكرية والمخابراتية والاعلامية، وتعتمد على الاعلام الذي يرسخ مفاهيم ويغير قناعات المواطن الامريكي في الداخل والشعوب الاخرى بحيث يصبح حديث المواطن العادي متماشيا مع النخبة السياسية والاقتصادية، وتعبير امبراطورية الشر من قبل( ريجان) والرئيس بوش(محور الشر) بألفاظ ذات مسحة دينية وانهم يخوضوا حرب نبيلة ضد الاشرار، وان الهدف السامي هو نشر الديمقراطية والتجارة الحرة، واسلحة الدمار الشامل عند الارهابيين، لكن الحقيقة غير ذلك فجميع الدول التي خضعت للولايات المتحدة الامريكية ظلت اقتصاداتها ضعيفة، لأنها تابعة للشركات الامريكية التي تمتلك الموارد واحتكار التكنلوجيا والاستثمار والانتاج العالمي،
ان قراصنة الاقتصاد هم خبراء محترفون ذوو أجور مرتفعة، مهمتهم سلب الملايين من الدولارات بالغش والخداع من دول عديدة في العالم، يحولون المال من البنك الدولي وهيئة المعونات الامريكية ليصبوه في خزائن الشركات الكبرى للعائلات الثرية التي تسيطر على الموارد الطبيعية في الكرة الارضية، ووسائله في تحقيق ذلك هو( اصطناع التقارير المالية، وتزوير الانتخابات، والرشوة ، والابتزاز، والجنس ، والقتل) ، يقول المؤلف اقنعني البعض اكثر من مرة بالتوقف عن كتابة هذا الكتاب، خلال العشرين سنة الماضية بسبب الاحداث التي قادتها امريكا مثل الاجتياح الامريكي لبنما عام 1989، حرب الخليج الاولى والثانية، الصومال، ظهور اسامة بن لادن، اضافة للتهديد والرشوة هو ما يوقفني كل مرة، واخيرا اصر على نشر القصة التي يجب ان تروى لأننا من اخطاء الماضي نستطيع استثمار فرص المستقبل بشكل افضل، فبسبب احداث 11 سبتمبر التي مات فيها اكثر من ثلاثة الاف، والحرب في العراق، والاعداد الهائلة من القتلى والجرحى والدمار، وهناك 24 الف يموتون يوميا لا يستطيعون ان يجدوا ما يسدون فيه رمقهم من الطعام، وهناك امة وحيدة لديها القدرة والمال والقوة لتغيير كل هذا، انها الامة التي ولدت فيها، والامة التي خدمت باسمها كقرصان اقتصاد، انها الولايات المتحدة الامريكية، لكنها لا تفعل ذلك لتبقى متسيدة على العالم.
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha