✍🏻رجاء اليمني
إن علاقة الحاكم بالشعب في حكومة الإمام علي(ع) كانت تنطلق من رؤية أن الحاكم هو أحد أفراد المجتمع واحد منتسبيه بل أحد اكثر المجتمع مسؤولية وواجبية لأنه مسؤول أمام الله وأمام المجتمع بأكمله وبذلك تلغى كل الحواجز والاعتبارات التي تحول دون الاتصال بالشعب وتفهم مشاكله ومسؤولياته.
ولم يكن منصبه في الدولة يمثل له شيئاً ما لم يحقق الهدف منه وهو العدالة بين المجتمع واقامة الحق بينهم وهو بذلك يمثل الطراز الأعلى والأمثل من الحكام الذي نادى الحكماء والفلاسفة به ويحدثنا ابن عباس عندما لقي الإمام علياً(ع) في الكوفة وهو يخصف نعله فقال له الإمام: يابن عباس ما قيمة هذا النعل فقال لا قيمة له فقال الإمام علي: إن هذا النعل أفضل من خلافتكم عندي إلا أن اقيم حقاً أو ادفع باطلاً ورغم المصاعب التي لاقاها الإمام من شعبه وخذلانهم له إلا انه لم يكن سبباً في عدم الرأفة بهم والتودد إليهم، رغم دعائه بان يستبدله الله بغيرهم ويستبدلهم بغيره إلا أنه كان مثالاً في كل الميادين سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل حتى مع المعارضة كما في معركة الجمل والخوارج أمثال الزبير وطلحة وعائشة زوج النبي(ص) حيث قادوا حملة عسكرية ضده متهمينه بقتل عثمان.
ورغم كل ذلك نجده يتعامل معهم بمنطق انساني بحت ولم يستخدم نفوذه السياسي عليهم فحاورهم والقى الحجج عليهم ولم يبدأ بقتالهم حتى بدأوا بقتاله وبعد انتصاره عليهم تجاوز عنهم وارجع عائشة مع اخيها في عدة من النساء .
إن الإمام كان ينطلق من رؤية أن البشر متساوون في الخلقة فهو لا يفرق بينهم في المعاملة والحقوق على أساس اللون أو القومية أو الغنى والفقر وكلهم سواء أمام القانون ولم يستثنِ نفسه من الدستور حيث ما نراه اليوم في الحكومات من امتيازات وحصانات خاصة للرئيس أو الحاكم.
فهو يعتبر نفسه مسؤولاً أمام القانون في حالة تقصيره وعدم أدائه للحكم بصورة صحيحة بل يعتبر ذلك خيانة عظمى كما جاء في نهج البلاغة وعند اقتراح الناس عليه أن يميز في العطاء بين الكبير والصغير يقول (لو كان المال مالي لسوّيت بينهم فكيف والمال مال الله)( ويعقب أحد الكتاب على هذا المقطع فيقول: ومن هذا الاعتبار كان موقفه من طلب عقيل وعبد الله بن جعفر المساعدة.
وكان موقفه عند ما أبلغ أهل الكوفة انه لن يأخذ حصته من العطاء حيث قال: (يا أهل الكوفة إن خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن) إنها كلمة عظيمة تستحق الوقوف عندها والتأمل في هذا الرجل العادل الذي لم يخرج من الدنيا إلا بمدرعته التي طالما كان يستحي من ترقيعها ويؤكد على انه غير مستبدٍ وليس مرتشيا ولا يرضى بالفساد والخيانة مطلقاً. ونراه مع (عبد بن زمعة) عندما أتاه يطلب مالاً إذ قال أموال المسلمين وأنها مسؤولية مقدسة لا يمكن التفريط بها وأن التقصير خيانة وجريمة كبرى والحفاظ على أموال المسلمين واجب مقدس. والوثيقة التي بعثها الإمام علي(ع) إلى مالك الاشتر تشعرنا بأنه كان ناذراً نفسه لخدمة الشعب فيقول فيها (واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم اكلهم فانهم صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه فانك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، ولا تنصبن نفسك لحرب الله فانه لا يَدَيْ لك بنقمته ولا غنى بك عن عفوه ورحمته) في هذا المقطع من عهد الإمام(ع) لمالك الاشتر نجد معاني سامية وعظيمة قلما توجد في حاكم من الحكام.
إن هذه الوثيقة هي اعلان عن حقوق الإنسان والمواطنة تجاه السلطة أو الحكومة بشكل عام واعطاء الحقوق للفرد تجاه الحاكم والحاكم تجاه الفرد وتحديد مسؤوليتهما تجاه الآخر وبهذا تحكي الوثيقة مدى العلاقة الإيجابية التي تربط الرعية بالحاكم والعكس وهذا عين ما نراه من الممارسة العملية التي كان الإمام علي(ع) يمارسها تجاه أفراد شعبه من الرأفة والحنو والتودد حتى مع الد اعداءه بل مع قاتله عبد الله بن ملجم. وكان يشارك الناس في طعامهم وشرابهم وكان يتفقد الأرامل والأيتام والمعوزين ليلاً حاملاً كيس الدقيق على ظهره وطائفاً بين الازقة ليتفقد من لا عهد له بالقرص ولا طمع له بالشبع كان يعطف عليهم كالأب على أولاده بل أكثر.
وهم ربما لا يعرفون انه الخليفة ولكن كل ذلك من أجل أن يكون واقعياً في خطابه وكلماته وإيمانه بالله ورغم كل سلبيات الرعية وتقصيرها تجاهه إلا انه لم يكن سبباً ليحول دون الرأفة والرحمة بهم وإن رجلاً مثل الإمام علي ينزل من علياء سلطته إلى بيوت الناس ليسأل عنهم وعن أحوالهم ويتفقد صغيرهم وكبيرهم حريٌ أن يكون قدوة ومثالاً لباقي الحكام ولكل الإنسانية إذ أن قائد دولة عظمى بل أعظم دول الأرض في عهده الذي يتحمل مئات المسؤوليات الثقيلة في إدارة بلاده يشعر بمسؤوليته إلى هذه الدرجة بحيث يخرج إلى شيخ مقعد اعمى ويدير شؤونه بنفسه الشريفة ويضع ذلك جزءاً من برنامجه اليومي وبعيداً عن كل أنواع التكبر والاستنكاف يطهر وينظف ذلك الشيخ ويستبدل اثوابه كل يوم بغيرها ويطعمه حتى يشبع.
نعم لا وجود لهكذا معاملة وسلوك في تاريخ كل القيادات إلا القيادات الإلهية فقط.
فلا يسعني في الأخير الا أن. نتمني تحقيق شخصية الإمام علي في ولاة الامر. وكل مسؤول ومن هو غير ذلك في تعامله فهو خائن وسارق ومتسلق على الدماء الطاهرة وعزله أولى
والعاقبة للمتقين
https://telegram.me/buratha