خالد الثرواني ||
بعد تفجير قبة المرقدين الطاهرين للإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) من قبل ارهابيو تنظيم القاعدة في الثاني والعشرين من شهر شباط سنة 2006 بلغت القلوب الحناجر وكان الجميع يرنو بنظره الى النجف الأشرف منتظرا موقف من المرجعية الدينية التي كان اجتماعها فيصلا في رأب الصدع الاجتماعي عبر الدعوة الى التحلي بالصبر وضبط النفس وعدم الانجرار وراء ما يريده الارهابيون.
قبلها وبعدها كانت المرجعية الدينية بمثابة الحارس الأمين لأبواب العراق وحماية شعبه، فمنذ التغيير السياسي وبزوغ عصر الديمقراطية على البلاد تحولت بيانات النجف الأشرف وكربلاء المقدسة الى خارطة طريق للشعب في فهم الواقع السياسي الجديد ومنطلقاً لبداية الخطوات الصحيحة في بناء الدولة، نذكر جديد الإصرار الكبير الذي أبداه المرجع الديني الأعلى سماحة السيد السيستاني (أدامه الله) على كتابة الدستور بأيادٍ عراقية والتأكيد على ضرورة عرضه على الشعب والتصويت بحرية على فقراته، وهذه بالمنظور العام بداية لسحب الارض من تحت أقدام المحتلين والاسهام في بناء العراق.
ورغم خروج النظام السياسي أحيان كثيره عن رؤى المرجعية بضرورة الاصلاح السياسي والاقتصادي وانهاء حالة الفساد المستشري الا ان المرجعية الدينية التي قالت: "بُحَّ صوتنا"، لم تركن الى الابتعاد عن الحفاظ على أمن البلاد والانسحاب من موقع المدافع والحامي لحقوق الناس، فخطب الجمعة وما يظهر للإعلام من لقاءات المرجع الاعلى او بقية من المرجع عن لقاءهم مسؤولي المنظمات الدولية أو الهيئات العراقية غير الحكومية يؤكد ان سماحة السيد المرجع متابع للوضع العراقي بكل تفاصيله.
كانت خطب المرجعية الدينية التي تخرج من كربلاء المقدسة لها تأثير واضح في عدد كبير من مجالات الحياة الاجتماعية العراقية، فكانت تركز وتدعو الى الابتعاد عن العنف والصراعات بكل جوانبها. وهنا نتذكر الخطبة التي القاها سماحة الشيخ عبدالمهدي الكربلائي بتاريخ (7/12/2018) التي ركزت على جوانب كثيرة من العنف المجتمعي في العراق مثل النزاعات العشائرية والنهوة والجلوة وغيرها التي عصفت بالمجتمع العراقي في السنوات الأخيرة وعملت المرجعية عبر وكلائها في المحافظات على انهاء نزاعات عشائرية دامت سنوات طويلة وانتهت برفع راية ابا الفضل العباس عليه السلام كإشارة للسلام.
أما بخصوص ما حدث بعد تفجيرات سامراء فكانت كلمة المرجعية كافية لإنقاذ البلاد من حرب أهلية مدمرة عصفت بالبلد لولا ذلك الحُلُم الكبير الذي أمسك بزمام الفوضى الهائجة واستطاع تسكينها ولجمها. وهذا شيء بسيط أمام ما حدث بعد نكسة حزيران في 2014 اذ أعلنت فور تنامي الخطر الداعشي وتداعي المحافظات والمدن واحدة تلو الأخرى عن فتوى الجهاد الكفائي فغيرت معادلة كادت أن تدمر كل شيء، لم تقف المرجعية الدينية عند هذا الحد بل كانت موجه لخطى التحرير عبر العديد من البيانات التي دعت القوات المحررة الى الالتزام بتعاليم الاسلام في الحرب.
ذهبت المرجعية الى أبعد من التوجيه المعنوي للمقاتلين الى دعم النازحين والمساعدة في ايواءهم والدعوة لمساعدتهم من خلال مواكب الدعم اللوجستي، وهذا أثر بالتأكيد في نفوس الذين نزحوا من مناطق الحرب وانعكس على السلم الاجتماعي فيما بعد.
وفي الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح كان لتوجيه المرجعية الدينية دور في ايقاف الانزلاق نحو الفوضى والاحتراب فدعوة تمييز الصفوف للمتظاهرين والدعوات الاخرى ساعدت في ضبط بوصلة الحراك وابعاد العنفيين من ساحات التظاهر، أجزم أن العامل الاساسي في ادامة زخم المطالبة بالحقوق وانهاء الفساد هو موقف المرجعية الدينية المعلن والصريح برفض أي تجاوز على حقوق المواطن.
أن المرجعية الدينية وعبر تاريخها الطويل كانت الحامي والموجه والصوت العالي بمواجهة كل الاخطار التي هددت الشعب العراقي والشعوب المظلومة، فرجل في ازقة النجف الاشرف استطاع انقاذ بلد بتوجيهات ومواقف استحق من خلالها أن يكون رجل السلام الأول في العالم هو الوحيد الذي اذا نطق فكلامه أمن.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha