عدنان جواد ||
يبدو ان كل شيء في العراق خاضع للبيع والشراء، حتى الضمائر والالتزامات وحلف اليمين يتم بيعها، انتشرت الرشوة في تسعينات القرن الماضي بعد ان ضعفت سلطة نظام صدام، وعدم كفاية الرواتب الممنوحة للموظف، فأصبحت الرشوة شائعة في اغلب دوائر الدولة، ربما يقول قائل ما علاقة شراء الاصوات بالرشوة؟ اقول ان الرشوة نوع من انواع السرقة، وهي ايضاً تتضمن بيع وشراء، فالمعاملة التي يتم وضع بين طياتها مبلغ من المال تنتهي بفترة مقبولة، اما التي يسلك صاحبها الطرق القانونية الصحيحة فهي (تنام) في دواليب الموظفين وقد تفقد بين اقسام تلك الدائرة، فيعود المواطن لترويج معاملة اخرى، ولكن في هذه المرة ( يدهن السير) بعد ان ضاق الامرين، اي يسلك الطرق المختصرة التي كان يعتبرها معيبة، لكنه اقتنع ان مصالحه تتعطل وانه لا يستطيع الوقوف بوجه منظومة فاسدة، واستمر هذا الحال ليومنا هذا، فالذي يملك المال يستطيع تعيين ابنه وابنته بدفع الدولار، وادخالهم الدراسة التي يرغب والحصول على ما يريد ، واما الذي لا يملك المال فهو يقع فريسة بين العوز وعدم القدرة على فعل اي شيء في دولة لا تعطي الحقوق لمستحقيها فحتى الرعاية الاجتماعية تخضع للإرادات الحزبية.
يتحول المرشح من مواطن مسالم بسيط يبحث عن الحقوق وتقديم الخدمات، يزور الناخبين في منازلهم يقطع لهم الوعود والعهود والمواثيق وانه يختلف عن سابقيه، لكنه يتحول الى كائن اخر بعد الفوز، وظاهرة شراء وبيع الاصوات الانتخابية كثر الحديث عنها في الآونة الاخيرة، وان سعر بطاقة الناخب من 250 الف الى 300 الف دينار عراقي، سابقاً يتم تصوير التأشير على اسم المرشح ليأخذ المبلغ المتبقي بعد التصويت، لكن المفوضية منعت ادخال الموبايل لقاعة التصويت، فاستبدل بحلف اليمين على القران الكريم، فالبعض من اصحاب الاموال المسروقة والمخلوطة بين الحلال والحرام، والمطلوبين للقضاء نتيجة قضايا فساد، يسعون للحصول على الحصانة البرلمانية، التي تبعدهم عن المحاسبة والملاحقة القانونية بعد فوزهم في الانتخابات، والبعض الاخر وهو المرشح غير الواثق من نفسه وغير المعروف في منطقته ولم يقدم شيئاً يذكر، ايضاً يسعى لهذا الاسلوب، والنواب السابقين الذين لم يقدموا لناخبيهم ما وعدوهم به، عادوا اليوم بدفع الاموال التي حصلوا عليها من خلال السلطة للبقاء فيها.
نتيجة للتجارب الانتخابية السابقة، وفشل الكثير من النواب بل البعض يقول جميعهم فشلوا في تأدية دورهم، والبعض يقول المجرب لا يجرب، والبعض يقول من دخل منظومة الحكم تطبع بطابع اصحاب السلطة ولا ينفع معه الاصلاح، والاخر يعطي نسبة للنواب الذين يستحقون انتخابهم مرة اخرى وانهم لا يتجاوز عددهم عدد الاصابع او 10%، ورغم ذلك فان هناك كتل سياسية اعادت مرشحيها السابقين في تحدي واضح وصريح للراي العام ، بالاعتماد على جمهورها الذي ينتخب وهو (مغمض)وحسب ارادة القائد وتوجيهه، في حين يقول الطرف الاخر ان القدماء صارت لديهم خبرة دولية، واطلاع كامل على المشاكل وحلولها، ولكن على شرط امتلاكهم النزاهة والكفاءة والشجاعة والحكمة، وغير ملوثة ايديهم في الفساد وهذا اهم شيء.
وهناك من فقدوا الثقة بالنظام السياسي والانتخابات، وانهم سوف يقاطعون الانتخابات، لديهم قناعة تامة بان نتائج الانتخابات محسومة اصلا، وان التزوير سيد الموقف، وان المنافسة غير متكافئة بين اصحاب الاموال والسلطة والسلاح وبين من لا يمتلك غير الكلام، وان من يشتري الاصوات اليوم سوف يشتري المناصب غداً، وان التجارب السابقة سوف تتكرر، فالكثير من المناصب يتم توزيعها بين الاحزاب ، وتسعر حسب المردود المالي الذي تجلبه، فالمدير العام في وزارة النفط والكهرباء يختلف عن المدير العام في وزارة الموارد المائية، ولان المؤسسات الرقابية الذين يراقبون عمل المؤسسات التنفيذية اصبحوا جزء من العمل التنفيذي، وغايتهم الحصول على المنافع الشخصية على حساب النفع العام.
ورغم كل هذه المحبطات لابد من التحلي بالمسؤولية وحسن الاختيار، فهناك مواصفات ينبغي للمواطن وضعها على المرشح الذي يختاره، كالصدق والامانة وعدم خضوعه للمغريات ، ومن ابناء المنطقة ويعرف احتياجاتها وما تعانيه، ومن له السبق في الخدمة والجهاد ودفع الاعداء، ومن يجلب "الحقوق" من(حلك السبع) وليس الواوي والضبع .
https://telegram.me/buratha