ادريس هاني *
- يدرك العرب عموما، أنهم فقدوا المبادرة، وأنّهم لا يتجهون نحو هدف مشترك، لقد تجاهلوا الميثاق العربي، الذي بات أشبه بشعار يصلح للدّبكة. إن العرب أشداء بأسا على نظرائهم، لم يفكروا يوما في هذا الذي يسمى مصلحة عربية، والأسوأ هم أولئك الذين يحملون الأهداف نفسها، ولكنهم آثروا الخداع أكثر.
-حين غرق العرب في سياسات قُطرية، وتجاهلوا العمل المشترك ووحدة المصير، سقطوا في مأزق تاريخي، لم يكونوا دائما أوفياء لمبادئهم وشعاراتهم، كانوا يكيلون بمكيالين، لم يكونوا جديين في شيء، إنهم يدفعون ثمن الإخلال بالميثاق العربي.
-ماذا يعني الميثاق العربي إن كان بعض العرب اختار النزاع العربي-العربي، وجعله أولوية، وسلك إليه بشعارات غارقة في الثوروية والتلبيس.
-كانت أمام العرب فسحة ليراجعوا أنفسهم، فلقد صهلوا أكثر مما يجب، وقالوا كل ما في جعبتهم، واتضح أخيرا أنّهم يمارسون السياسة كضرب من الحقد والعصبية. فعلوا ذلك وكأنّ التاريخ لا يحتفظ بسجلات مؤلمة عن تفاهة السياسية العربية.
-إنّ أسوأ ما لدى العرب في سياستهم، أنّهم يلتقون -مهما اختلفوا- في غريزة التدمير الذّاتي.
-بات المشرق العربي كصحن تطايرت شظاياه، وشمال أفريقيا يستقبل استحقاقات نصف قرن من السياسات الخاطئة، هنا في شمال أفريقيا لا زالت آثار ومفاعيل الحرب الباردة تفعل فعلها، المنطقة غارقة في سبات باراديغمي، وغباء جيوستراتيجي مزمن.
-ينظر العرب لوضعيتهم نظرة إرادوية، ويعتقدون أنّ كسب الرهان في أي معركة صائبة أم خاطئة هو ركوب متن الهجاء. إنّ السياسة هنا ليست سوى تدبير للهجاء، الغرب لا يلتفت للهجاء.
-أن يكون العالم في حالة تحوّل، شيء لم يعد جديدا، العالم يتغير منذ عشرات السنين، ولكننا نحسب أنّ هذا التغيير هو لصالحنا، لأننا على حقّ، إننا واثقون بأنّ التغيير الذي تشاركنا فيه الأمم، هو تغيير لصالحنا، لكن من نحن؟ ومن يضمن من العرب أن يتفقوا بعد أن اختلفوا وما اختلفوا في كبير؟ نحن العرب لسنا كلنا على حقّ، حتى الذين يرفعون شعارات تحررية للمزايدة فقط وليس للعمل، هم شركاء في هذه المهزلة، إننا مختلفون، ولهذا السبب خسرنا التاريخ، وسوف يذبح المصير العربي المشترك على مقصلة البلقنة وتقارير المصير المُغنّاة عند "ترويقة" الصباح، ما أقود عصائبنا العربية.
-حين تصبح قضايانا التافهة مزمنة، ونخرب بأيدينا أولوياتنا، فهذا يؤكّد أنّنا حقا أمام مهزلة العقل السياسي العربي. لم نجرب مرة واحدة أن نحلّ المعضلة العربية بطريقة رياضية. علينا أن لا نخشى من ذلك، إنّ معضلتنا تافهة حتى أنها لا تعتبر معادلة من الدرجة الأولى بمجهولين، بل يكفي في ذلك تطبيق حساب التناسب وقاعدة الثلاثة للبحث عن المجهول. ترى ما هو المجهول في حساب التناسب للمعضلة العربية؟ إنّه يساوي الوفاء. إن غياب الوفاء آفة السياسة العربية.
-يقودنا التحليل السياسي في المارستان العربي إلى إعادة السيناريوهات نفسها التي تربينا في كنفها. حتى الأطفال حين يكونون أطفالا بالفعل ، سيقرفون من الطريقة التي نقرأ بها شؤوننا، إنها طريقة وفية لشيء واحد، هو الغباء، سواء في قراءة الماضي أو الحاضر أو المستقبل.
-في كل طور من التوريط الجيوسياسي، يعود العرب ليرتكبوا الأخطاء بل الخطايا نفسها، وكأنهم تعاقدوا على أن لا يجتمعوا إلاّ على خطأ.
لا أخشى على فلسطين إلاّ من العصبية، والأساليب الماكرة للدّول التي تنتظر أن تدخل التطبيع بشروط متقدمة وأوراق قوية، لا يبدو لي أنّ القضية وقفت هنا، وستنبئ الأيام من لا يريد أن يرى الواقع بأمّ عينيه، أنّ ما تفضحه اليوم تناقضات الخطاب سيصبح حقيقة لا غبار عليها.
-بعض الدول العربية وبعض المتيمين بالشعارات يقولون :آه، لو كنا على الحدود مع إسرائيل، لكانت فلسطين قد تحررت! ودائما كانت "لو" من الشيطان، والحقيقة، لا أحد يمنع من إرسال كتائب مقاتلة، وضخّ أسلحة نوعية أكثر مما تٌضخّ في قضايا تقويض الميثاق العربي. هذه الـ"لو" فيها استهتار بكل البلاد العربية، فيه استهتار بسوريا التي حاربت حتى خسرت جزء من ترابها الوطني ولا زالت تدفع ثمن موقفها الواضح، وهو أيضا استهتار بمصر التي حاربت، بل هو استهتار بكل العرب الذين شاركوا في حرب أوكتوبر. ربما سنكسب الرهان فقط وفقط حين نقطع مع هذه البيانات البليدة، ونقدّم شيئا حقيقيا على الأرض.
-في كل هذا التراشق العربي- العربي، مع استثناءات قليلة جدّا، أكاد أحصرها في الصمود السوري العظيم - كدولة-لا أرى ما هو جدّي وما يصلح لإنقاذ العرب من ورطتهم، إنّهم أهل عصبية وليسوا أهل سياسة، ولكنهم في الحرب غالبا ما يأكلون "قتلة".
-لماذا تغيب الوساطة والمساعي الحميدة في النزاعات الصبيانية بين الدول العربية، لماذا أوّل ما نفعل هو التفكير في الاصطفاف والتملّق؟
العالم حقا يتغير، فهل تغير العرب؟ سندخل قريبا 2022م، سندخلها بأوزارنا، ومزاجنا، وغبائنا، لم ولن نستفيذ من زمن الأخطاء، تنقص العرب التربية، إنهم أمّة فقدت التربية، أو بتعبير دريد لحّام: ضاعت الترباييي ...يامو
-لماذا يريد العرب أن يخوضوا تحدي المستقبل بتفكير غبيّ وكثير من الأمّية في التدبير الاستراتيجي؟ إنّنا لا نستطيع أن نحقق شيئا في صمت، الصمت يقتلنا لأننا نريد الضوضاء، ونريد تبادل بلاغات من دون بلاغة، معظم العرب فقدوا الذّوق العربي ومخارج الحروف.
ادريس هاني: كاتب وباحث من المغرب
25/9/2021