عدنان جواد ||
لم يبقى وقت ليوم التصويت للانتخابات في العراق غير يومين، والبعض من الشباب يدعوا لمقاطعة الانتخابات ، وان اغلب اعمار هؤلاء الشباب الذين لم يعيشوا فترات الحروب والحصار، لكن قطعاً ابائهم قد عايشوا هذا الواقع المؤلم، فشاهدوا المقابر الجماعية ، والاعدامات، والسجون السرية، وعدم وجود الديمقراطية والحرية، حيث كان العراقيون يعيشون في سجن كبير، وبعد ان سقطت الدكتاتورية، اصبح البلد مباحاً لكل الدول ومديوناً بمليارات الدولارات لحروب لم يرتكبها الشعب، لكنه كان محكوم بالنار والحديد، يتحكم بمصيره شخص واحد، ومع ذلك لازال يدفع تعويضات للدول المتضررة من تلك الحروب.
وبعد عام 2003 جلبت الولايات المتحدة الامريكية اشخاص ونظام هي فصلته، حسب المكونات والحصص الحزبية، ونتيجة للتناقضات في الحروب وسياسات النظام السابق الخاطئة والطائفية، والتجويع نتيجة الحصار الذي انتشرت بسببه الرشوة والتزوير، فأصحاب السلطة السابقة لم يقبلوا بالمعادلة الجديدة، كقيادات البعث والحرس الخاص والضباط الكبار في الحرس الجمهوري، وخاصة بعد ان تم حل الجيش والقوات الامنية بأمر من بريمر، التحق هؤلاء بالقاعدة وداعش وكانوا من قياداتها، فمزقوا الشعب العراقي بالحروب الطائفية والقتل على الهوية والتفجيرات اليومية، في الاسواق والاماكن العامة ومساطر العمل، ورغم التهديد بالقتل والتفجير ذهبت الناس للانتخابات لتتنفس الحرية وتمارس الديمقراطية، فتحصل على الحقوق بعد ان تؤدي ما عليها من واجبات، كما هو في الدول التي تمارس الديمقراطية، ولكن من تم منحهم الثقة في الانتخابات السابقة، لم يصنها ويحترم ناخبيه، وبدل من خدمة الناس خدموا انفسهم، وتركوا مشاريع الاعمار معطلة.
فالتغيير الى الاحسن يحتاج الى الحضور وتحمل المسؤولية، والنوايا الصادقة لخدمة المجتمع الذي ننتمي اليه، فعبر التاريخ الناس هي التي تغيير( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ربما يقول قائل وما الفائدة من الاشتراك وان الاحزاب نفسها سوف تبقى في السلطة خصوصا وان لها اتباع ومريدين واموال كبيرة، وهؤلاء فاسدين وكاذبين ويقولون شيء ويفعلون شيء اخر، ويعينون اتباعهم واقاربهم في تخصصات تحتاج كفاءة لكنهم يستحوذون عليها حسب الحصص الحزبية، وتعطيل مشاريع اعمار مدن وبناء جسور وبنى تحتية، نتيجة لتنافس بين كتل واحزاب وخاصة في الوسط والجنوب يعطل بعضهم البعض حتى لا تحسب لمنافسة فتركوا مدنهم ومدارسها ومستشفياتها على حالها، فالمرشح الكوردي يقول انا عندي اربيل وسليمانية ليس لديكم مثيل لها ، والمرشح السني يقول اني عندي الرمادي عمرتها بفترة قصيرة، بينما المرشح الشيعي يتهم من سبقه بالتقصير وانه سوف يعمل على ما عجز عنه الاخرين.
لذلك فالمشاركة الواسعة تمنع عودة الدكتاتورية، فعندما تقل المشاركة سوف يصعد للبرلمان اناس كل همهم افشال اي انجاز في الوسط والجنوب وقد قالها الحلبوسي في احد اللقاءات التلفزيونية، وخاصة اذا قل عدد نواب الشيعة وزيادة نواب السنة والاكراد فسيطلبون بقاء الامريكان، لذلك شجعت المرجعية المشاركة والتغيير بالاتجاه الصحيح الذي يخدم الشعب ، وقد وصفت التصدي للفساد بانه اخطر من الارهاب، وانها قاطعت الساسة واغلقت بابها بوجههم، لكنها في المقابل تشجع على المشاركة في الانتخابات؟! ، لان الناخب عندما يقوم بتغليب المصالح العامة على المصالح الشخصية، رغم ان المصلحة الذاتية حق مشروع ولا يمكن اغفالها لكن باختيار الاصلح، واذا ترك الامر ربما يؤدي الى الفوضى والتقسيم، والتطبيع، وحل الحشد الشعبي المؤتمن على الثوابت والقيم للشعب العراقي، وتجذر الفاسدين، واستمرار ازمة الكهرباء، وازمة السكن، واغراق العراق بالديون، والبطالة، واقتصاد غير واضح المعالم، وتحويل الاكثرية في العراق الى اقلية، وقد حاولوا سابقاً بالقتل واليوم يريدونها بالانتخابات والحرب الناعمة التي انطلقت قبلها والهيمنة الاقتصادية لكردستان وافقار الجنوب،
فلابد ان يقدم الافضل والاصلح والصادق في الاختيار، والذي يتفق معي في المظلومية والانتماء، ومن يدعو للبناء فعلا وليس قولاً، وعلى المرشح الصدق مع ناسه، وان يعاهد نفسه وربه بان يخدمهم، وان يكون مؤمنا خادماً للفقراء يسكن بينهم، ويبتعد عن القصور، واعتبار توجيهات المرجعية بشان الانتخابات خريطة طريق للسير على هديها ، بانها فتوى انتخابية كما كانت فتوى الجهاد الكفائي في القضاء على الارهاب، واليوم القضاء على الفساد وخدمة الناس، ولا يسعنا الا ان نذكر المرشحين والناخبين بقول الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة: (عباد الله زنوا انفسكم من قبل ان توزنوا، وحاسبوها قبل ان تحاسبوا، وتنفسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق، واعلموا انه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر، لم يكن له من غيرها لا زاجر ولا واعظ).