المقالات

العقيدة ام السياسة..؟! جدل انتخابات تشرين


  محمد الصكر ||   يتفق الشيعة على طول خارطة الوطن العربي أن حصيلتهم من منظومة الحكم العربي لم تكن غير ارشيف للظلم والقسوة.لذلك شكل عام 2003  بارقة أمل ونقطة ضوء اضاءت شيئا من النفق المظلم، ولكن سرعان ما تلاشى وتبدد فقد وجدوا ان جوهر المعادلة لم تتغير، بل صارت أشد ضراوة ولهذا يمكن القول بان مرحلة ما بعد  2003 هي الاعقد والاخطر ولم يكن مكمن الخطورة متجسدا في الخصم المذهبي أو السياسي وحسب، بل وفي إدارة الطبقة السياسية الشيعية لمقاليد السلطة وما أفضت إليه من تباين فيما بينها بشأن أسس ومرتكزات القوة الشيعية وكيفية إدارتها,  ويمكن حصر الاختلاف فيما بينها  باتجاهين   الأول : يمكن تشخيص رؤيتين فيه: 1 ـ يرى أن قوة الشيعة تكمن في اندماجها السياسي ضمن المفهوم الأوسع للأمة، متصورا انه حين يفعل ذلك انما يضع شيعة العراق في مجال حيوي اوسع من المجال المحلي، فعندما تصطف الهوية الشيعية المحلية إلى جانب مكونات الهوية المذهبية كعنوان سياسي واحد على الخارطة الجغرافية للمنطقة تصبح الطائفة الشيعية أكثرية ليس في العراق وحسب بل في عموم المنطقة الخليجة أي المنطقة التي تشكل عصب الاقتصاد العالمي، عند ذاك سيبدو الشيعة العرب هم المستفيدون من إيران وليس العكس باعتبار أن إيران ضمن معادلات القوة نقطة ارتكاز اقليمي. 2 ـ يرى اصحاب هذه الرؤية ان نظام مابعد ٢٠٠٣ بصيغته التوافقية القائمة تحول الى عائق امام عجلة النهوض، اذ جعل السلطة الشيعية عاجزة عن تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد، و عدوا  ذلك سببا للفجوة بين قوى السياسية وتيارات الوسط الشيعي التي كان يؤمل فيها أن تكون نقطة ارتكاز للقوة الشيعية وللنظام السياسي الجديد في العراق, وان استمرار الحال لا يؤدي فقط الى اتساع هوة الانقسام المجتمعي وزيادة التوتر بين المجتمع والدولة، بل سيفضي أيضا إلى تفكك الدولة وضياع السلطة الشيعية، وان بداية النهاية لمعالجة المشكلات العراقية هي في خروج القوات الأمريكية وإلغاء الطائفية السياسية من العراق،  وبغض النظر عن القناعات الشخصية بهذا الاتجاه الا انه امتاز بامتلاكه لهوية سياسية وعقائدية واضحة، لكنه لا يجيب عن كيفية المزاوجة بين السيادة الوطنية والسيادة الأممية، وهذه ثغرة في أدبيات هذا الفريق ناهيك عن أن بعض القوى السياسية والمجتمعية شيعية و سنية وكردية لا ترى في ما يتبناه هذا التيار مشروعا وطنيا يمثلها، لذا فان هذا الفريق سيكون (في ضوء ما يتبناه) مثقلا بالأحمال العقائدية والسياسية التي تثقل كاهل إدارته لملف علاقاته الداخلية والخارجية وغير قادر (في ضوء المعادلات الدولية القائمة) على التخلي عن أسلوب المعارضة وهو مايؤدي في النهاية الى إنهاك الجماعة الشيعية المنهكة أصلا.  نتيجة كهذه قد تفضي إلى تآكل هذا الاتجاه، وخسارته لنفسه و للأمة أيضا     الاتجاه الثاني:وهو اتجاه يعتمد نظرية الفصل السياسي بين الجماعة السياسية المؤطرة باطار الدولة والجماعة الدينية والقومية  المؤطرة بأطار الفكر والعقيدة، ويرى أن قوة الجماعة الشيعية تكمن في ذوبانها بالهوية الوطنية وانحسار نشاطها ومواقفها السياسية  في حدود الحيز القطري للبلد، فالطائفة الشيعية وإن كانت أكثرية في العراق لكنها أقلية قياساً بمحيطها الجغرافي العربي،   وهذا التصنيف يأتي من زاوية النظر للهوية الشيعية بمنظار عروبي فالهوية الشيعية عند هذا الفريق لم تؤخذ بمعزل عن مركزية الهوية القومية، عندئذ من الطبيعي أن  يختلف مفهوم القوة لدى هذا الفريق عما هو عليه لدى الفريق الأول، الذي يرى أن العقيدة وليس القومية هي المجال الحيوي للجماعة الشيعية.  إن نظرية الفصل السياسي لم تأت كترف فكري، إنما هي نتيجة لقناعة مستمدة من تجارب التاريخ التي تثبت أن تحول الانتماءات الفرعية الى ولاءات سياسية تؤدي الى تمزق المجتمع وإسقاط هيبة الدولة، فالدولة المكونة من مجتمع متنوع الانتماءات لايمكن ان تكون دولة قوية وناجحة إذا اتسمت بهوية دينية أو مذهبية أو قومية آحادية ومن هذه الزاوية تصبح الهوية السياسية العراقية هي الضابط لمسارات القوى التي تشكل القاعدة السياسية لسلطة الدولة وأحتكارها المطلق للقوة. هذا الفريق في الوقت الذي يؤمن بنظرية الفصل السياسي فهو لايدعو لالغاء الهويات الفرعية او دمجها بل يرى ان الانتماء الديني والمذهبي حق مكفول للناس لكن الولاء السياسي يجب ان يكون حصريا للدولة وهذا التوجه يتماهى مع الاتجاهات الغربية الحديثة في معالجتها لمشكلة الهويات الفرعية للشعوب الأوربية عند تأسيسها للجمهوريات الحديثة، لكن أدبيات أصحاب هذه النظرية اغفلت مناقشة سريانها على قضايا الفكر القومي العروبي, ثم إن هذا الفريق (وإن كان يؤمن أن التدخل الخارجي هو أحد أبرز معوقات النهوض بالبلاد) إلا أنه يرفض إحالة كل المشكلة على الطرف الأمريكي أو الإيراني، ويعتبر من غير الصائب النظر للعلاقات مع هذه الأطراف وغيرها انطلاقا من احداث سياسية معينه او أحكام تاريخية، ومعايير دينية أو ثقافية، فتلك نظرة غير واقعية، فالعلاقات الدولية لا تختلف عن العلاقات بين الأفراد اوالجماعات (في الأعم الأغلب) هي محكومة بالمصالح ولا شئ آخر، وبالتالي لا ينبغي الاكتراث بالخلفيات الفكرية ولا بالهويات العقائدية للدول والكيانات السياسية الحاكمة, وليس من مصلحة العراق ولا شيعتة أن يكونا جزءا من صراع المحاور، بل المصلحة في حفظ التوازنات الإقليمية والدولية ورعاية المصالح المشتركة للدول بما فيها أيران وأمريكا,    وبحسب المنطق السياسي، يبدو أن الفريق الثاني ورغم تمسكه بهويته المذهبية هو الأكثر قبولا للعمل والتفاعل السياسي من الاتجاه الاول، لكن هذا  القبول لا يتعلق بمدنية وديمقراطية هذا الفريق، ولا بإيمانهم بحقوق الإنسان وما شاكل من مفاهيم عصرية متداولة، إنما هو قبول ناشئ من الهوية السياسية التي يتبناها وبشرعية الدولة التي ينتمي إليها، وبالهامش السياسي الذي يلامسه في ضوء المعادلات الجارية وتوازنات المنطقة، وبناء على تلك المقبولية قد يفوز هذا الفريق بالسلطة، غير أن الخطورة تكمن في أن يتحول إلى جزء من منظومة السلطة الهشة وجهازها الإداري المسيطر عليه، وتنتهي به إلى التآكل والتبخر في فضاء الدولة، وفقدان رأسمالهم من الجماهير كما حدث لإخوان مصر ومن بعدهم إخوان تونس اي أنهم قد يفوزوا بالسلطة لكن على حساب خسارتهم لانفسهم وللجماعة الشيعة،  أخيراً وفي ضوء ما تقدم لنا أن نتساءل هل أن ما يطرح من كلا الاتجاهين هو فعلا لصالح الجماعة الشيعية أم لصالح بقائهم هم؟   وهل يمكن أن يكون أختلافهما مناورة سياسية تقوم على تنوع الأدوار من جهة ما يصطلح عليه بالصقور والحمائم؟ وهل يمكن ان نشهد تحالفاً بين الفريقين لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات؟  في السياسية كل شي ممكن، وحتى ذلك الحين على المواطن الشيعي أن يحدد أي الفريقين أولى بصوته انتخابيا.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك