الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||
لعلنا لا نغالي عندما نقول أن معضلة وجدلية ماهية الكتلة الأكبر وكيفية تشكلها لا تقل خطورة وحساسية عن الانتخابات ونتائجها ، فإلى لحظة كتابة هذه المقالة لا تزال أُحجية الكتلة الأكبر قائمة بين الكتل السياسية ، فالدستور العراقي لسنة 2005 منح أحقية تشكيل الحكومة للكتلة النيابية الأكثر عددا، إذ ينصّ البند (أولا) من المادة 76 منه على الآتي: "يُكلّف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية"، لكن الآراء ما زالت منقسمة حتى الآن حول مفهوم "الكتلة النيابية الأكثر عددا"، هل المقصود منها الفائزة في الانتخابات أم التي تتشكل داخل قبل البرلمان من تحالفين أو أكثر بعد إعلان النتائج؟
فسّرت المحكمة الاتحادية العليا هذا المفهوم بقرارها الصادر بالعدد (25/اتحادية/2010) يوم 25 مارس/آذار 2010 قائلة "إنّ تعبير الكتلة النيابية الأكثر عدداً يعني: إمّا الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، وإما الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة، ثمّ تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر عددا، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عددا من الكتلة أو الكتل الأخرى، بتشكيل مجلس الوزراء استنادا إلى أحكام المادة 76 من الدستور".
في قبال ذلك وبعد صدور قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020، كأحد المطالب الرئيسة لتظاهرات تشرين ، فقد منعت المادة 45 منه، الكتل والأحزاب والكيانات من الانتقال إلى كتلة أو حزب آخر إلا بعد تشكيل الحكومة، ولكنها (هذه المادة) أجازت الائتلافات بين الكتل، أي أن المادة 45 عطلت تفسير المحكمة الاتحادية العليا الخاص بالكتلة الأكبر بسبب منع الانتقالات.
فنحن أمام صورتين من التفسير من مادتي 76 و 45 ، فهل تفسير المادة 76 التي نصت عليها المحكمة الاتحادية عام 2010 ما زال نافذاً ؟ أم أن المادة 45 قد نقضتها ؟ ثم أن الكتلة التي تشكل الحكومة الفائزة بأكثر عدد من المقاعد بعد فرز الاصوات تصطدم بلغم يجبرها على التفاوض والتحالف لأن تمرير الحكومة لا يتم إلا بعد تصويت البرلمان بنسبة نصف + 1 أي 365 عضواً وهذا الأمر غير ممكن لأي كتلة أن تمرر الحكومة بارتياح دون اللجوء للتحالفات مع باقي الكتل ، وهذا مما لم ينتبه المطالبون بتغيير قانون الانتخابات ، كان الأولى أن يتعاضد التغيير للمواد من 76 إلى 45 مع تغيير هذه الفقرة إما بالأغلبية المطلقة للنواب الحاضرين في جلسة التصويت أو إعطاء الحرية الكاملة للكتلة الفائزة بتشكيل الحكومة .
وهناك جدلية أخرى وهي أن مصطلح الكتلة النيابية يُطلق على عضو البرلمان الذي اتخذ الصفة القانونية فلا يصح تسمية الفائز بالنائب إلا بعد مصادقة المفوضية على النتائج النهائية والنظر بالطعون المقدمة ومن ثم القسم الذي يؤديه الفائز تحت قبة البرلمان عندها يتخذ الصفة الرسمية التي يحق له ممارسة دوره التشريعي والرقابي ، مما يعني أن الطرف الآخر لا يعترف بفوز القائمة بالانتخابات بأنها الأكبر لأن الفائزين لم يتخذوا صفة العضوية بعد .
وهكذا يبقى الجدل مفتوحاً بين الكتل نتيجة تفسيرات المحكمة الاتحادية الغامضة أو تأويلات الكتل تبعاً لما تراه موافقاً لها .