المقالات

المواطنة (٢)


  محمد عبد الجبار الشبوط ||   كتب لي الصديق عوف القيسي تعليقا على مقالي حول المواطنة:"اختلف معك في تراجع تأثير وفاعلية مبدأ المواطنة؛ بل بالعكس اتجهت القلوب والعقول نحو المواطنة باعتبارها الحل الوحيد و الصحيح  في بناء دولة حضارية حديثة". وكنت قد قلت في الحلقة الاولى من هذا العمود:"من اهم المشكلات التي يعاني منها المجتمع العراقي تراجع تأثير وفاعلية مبدأ المواطنة، لصالح تنامي دور وتأثير "المكون" القومي او الطائفي." وارجو ان اكون مخطئاً في قولي وان يكون الصديق عوف القيسي على صواب. لانه ليس من مصلحة العراق ان يضعف مبدأ المواطنة وان يكون الانتماء للوطن اضعف من الانتماء للمكون. فالدول، وبخاصة الدولة الحضارية الحديثة، تبنى بالمواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث. وتتجسد قوة المواطنة بمعنى اولوية الانتماء للوطن، من خلال العديد من المظاهر والمجسات، اذكر بعضها كما يلي:  اولا، التزاوج المختلط، بمعنى ان تتصاعد وتائر الزواج بين نساء ورجال من مختلف المكونات. ونحتاج ان تخبرنا الدوائر المختلفة في الدولة عن نسبة الزيجات المختلطة بالمقارنة مع الزيجات الاحادية.  ثانيا، العيش المختلط، بمعنى تواجد عوائل من مختلف المكونات في منطقة واحدة مشتركة، وعدم وجود مناطق "نقية" عرقيا او دينيا او مذهبيا.  ثالثا، المشاريع الاقتصادية والتجارية والاعلامية وغيرها المختلطة، بمعنى وجود شركات اصحابها (اصحاب الاسهم فيها) من مكونات مختلفة.  رابعا، وجود احزاب سياسية مختلطة، عابرة للخطوط العرقية والدينية والمذهبية. خامسا، وجود منظمات مجتمع مدني مختلطة. سادسا، السلوك الانتخابي، اي التصويت، العابر للحدود العرقية والدينية والطائفية. سابعا، التخلي عن الطائفية السياسية في هيكلية الدولة. ثامنا، وجود الفرق الرياضية المختلطة.  تاسعا، وجود المواطنين الفعالين، لان ذلك من ابسط الادلة والبراهين على قوة مبدأ المواطنة.  ليس عندي ارقام حول بعض المؤشرات والمجسات السابقة، ولكن بعضها ملموس ومشاهد ولا يحتاج الى ارقام. وربما تكون المحصلة الاجمالية لهذه المجسات غير مسرة للصديق، لان حجما ملموسا منها ليس مختلطا، وانما احادي الهوية العرقية او الدينية او الطائفية، وخاصة المجس الرابع منها.  ربما يشير الاخ عوف الى تنامي المشاعر الوطنية، اي تنامي الشعور باهمية واولوية مبدأ المواطنة. وهذا امر جيد ومشجع. فاذا صح هذا المؤشر، فيمكن الاستناد اليه والاتكاء عليه لتوسيع نطاق الشعور بالمواطنة، واعادة الشعور بالانتماء الى الهويات الفرعية الى الحجم الطبيعي غير المضر بفكرة بناء الدولة الحضارية الحديثة، الوطنية وليس المكوناتية.  فالدولة الحضارية الحديثة لا تتطلب الغاء الهويات الفرعية، لكنها لا تجعل هذه الهويات قاعدة في علاقة المواطن بالدولة. انما تجعل المواطنة هي اساس العلاقة، وعليه لا يحتاج المواطن ان يكون مسلما او مسيحيا او عربيا او كرديا او شيعيا او سنيا الخ لتحديد حقوقه وواجباته. فمنظومة الحقوق والواجبات في الدولة الحضارية الحديثة تضع جميع المواطنين في صعيد واحد من المساواة امام القانون والحقوق السياسية والمدنية، ولا تميز بين المواطنين في ممارسة هذه الحقوق والحصول على المزايا. الا انها في نفس الوقت تحفظ للمواطنين هويتهم الثقافية  وتحترم حقهم في ممارستها بحرية وامان بصورة قانونية وعلنية، دون ان يخل ذلك بطبيعة الحال بالنظام العام والقوانين النافذة. واذا عدنا الى مطلع المقال والى مجسات المواطنة فان عملية الاصلاح السياسي والاجتماعي في البلاد تتطلب ان تتكثف الجهود والنشاطات من اجل تعزيز مبدأ المواطنة، وتوسيع نطاقه، وجعله القاعدة الاولى و الاساسية في بناء الدولة.   وغني عن البيان ان بعض المجسات المذكورة متعلقة بالدولة او الحكومة، في حين ان بعضها الاخر متعلق بالمواطنين انفسهم ما يعني امكانية ان يقوم كل طرف بواجبه في هذا المجال.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك