محمد كريم الخاقاني *||
منذ نيسان ٢٠٠٣ ولغاية الوقت الحالي، مدة زمنية سارت بها الدولة العراقية من اجل تحقيق هدف الديمقراطية، وهي مدة قد تبدو من الناحية الزمنية طويلة نوعاً ما، ولكنها وبالقياس للتجارب السابقة التي مرت بها الدول الديمقراطية تكاد لا تذكر نتيجة تجذر الممارسة الديمقراطية وتقاليدها فيها وهو ما يجعلها تبدو قصيرة جداً وتحتاج الى مدد زمنية اخرى لنكون امام تجربة ديمقراطية نفخر بها ونجعلها إنموذجاً يحتذى بها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن التجربة الديمقراطية العراقية إذا ما قُورنت بمثيلاتها في الدول القريبة، فهي متقدمة عليها بدرجات، ويمكن ملاحظة ذلك عبر تداول السلطة سلمياً وهي من مميزات الديمقراطية وهو ما يعطي تنافساً إيجابياَ بين مختلف القوى والأحزاب السياسية في البلد، وهو سر إستمرارية وديناميكية العملية السياسية، وما تمخض عن إنتخابات تشرين الأول ٢٠٢١ دليل على ما نقول بشأن التداول السلمي للسلطة، فنحن امام إستحقاقات إنتخابية افرزتها صناديق الإقتراع ومن ثم نجد متغيرات تمثلت بفوز أحزاب وقوى سياسية وتريد تنفيذ مشروعها السياسي عند وصولها للسلطة، وهو ما تمثل بحكم الأغلبية الوطنية ليكون بديلاً عن التوافق والمحاصصة في توزيع المناصب، وهو ما يعني بتفعيل المعارضة الفاعلة لبعض القوى التي لا ترغب بالإنضمام لمحور السلطة، فسابقاً الكل مشارك في العملية السياسية ولا وجود للتعارض والتقاطع داخل اروقة مجلس النواب، وهذا ما دأبت عليه القوى السياسية منذ اول إنتخابات جرت في العراق بعد التغيير في ٢٠٠٥، فالتوافق كان اساس تقاسم المغانم والمناصب وهو ما يعكس المشاركة الجماعية للجميع في السلطة في ظل غياب فاعل للمعارضة الحقيقية داخل مجلس النواب، فالكل مشارك على الرغم من كونه فائز او خاسر في الإنتخابات، وبدوره ينعكس سلبياً على أداء المجلس وقيامه بواجباته الاساسية، بل تؤثر حتى عملية إصدار القوانين والتشريعات الضرورية والتي تحقق الفائدة لعموم المواطنين.
ويمكن القول بأن نظام تقاسم المنافع والمغانم وفقاً للمحاصصة التوافقية يعطل الدور المأمول من قبل مجلس النواب وهو ما يعني تعطيل المعارضة الفاعلة وهو ما يسمح بتحجيم الدور الرقابي، فعدم وجود مصلحة ثابتة وجامعة لكل الفئات المكونة للشعب العراقي تعد من اهم مسببات سياسة التقاسم للمنافع والمغانم، وهي تعد مدخلاً اساسياً للقضاء على تلك الظاهرة ومن أجل الخروج من هذا المأزق، يجب تفعيل الدور الحقيقي لمجلس النواب وتفعيل آليات الرقابة والتشريع والمحاسبة من خلال مراقبة الأداء والتقويم لعمل المؤسسات كافة، وتحديد المصالح الوطنية العليا والتي تكون الاساس الجامع لكل الشعب.
فإذا ما اريد للبلد ان ينهض بمشروعه السياسي المنفذ من قبل القوى والأحزاب السياسية والتي تصل للسلطة عبر آلية الإنتخابات، فأن اول الخطوات في ذلك تكمن في ترك مبدأ التحاصص والتقاسم في إدارة المؤسسات الحكومية، وان تكون الكفاءة اساس إسنادها الى الاشخاص الذين تتوافر فيهم المواصفات المطلوبة في تولي المناصب وهو ما يمكن الحكومة المرتقبة من إنتهاج سياسات واقعية تصب في خدمة الصالح العام.
*اكاديمي وباحث في الشأن السياسي.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha