د. علي حكمت شعيب *||
ورد في نهج البلاغة عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في معرض حديثه عن خلق الله سبحانه الأرض:
"وَأَنْشَأَ الْأَرْضَ فَأَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ، وَأَرْسَاهَا عَلَى غَيْرِ قَرَارٍ، وَأَقَامَهَا بِغَيْرِ قَوَائِمَ، وَرَفَعَهَا بِغَيْرِ دَعائِمَ، وَحَصَّنَهَا مِنَ الْأَوَدَ وَالْإِعْوِجَاجِ، وَمَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ وَالْإِنْفِرَاجِ، أَرْسَى أَوْتَادَهَا، وَضَرَبَ أَسْدَادَهَا، وَاسْتَفَاضَ عُيُونَهَا، وَخَدَّ أَوْدِيَتَهَا، فَلَمْ يَهِنْ مَا بَنَاهُ، وَلاَ ضَعُفَ مَا قَوَّاهُ." (نهج البلاغة)
لطالما توقفت عند هذا النص في نهج البلاغة فقرأته لمرات عديدة وفي أوقات متفاوتة فهو ينبئ بأمرين أساسيين شكّلا حقيقتين علميتين بارزتين اكتشفهما العلم الحديث:
أولهما: إن الأرض كوكب في الفضاء راسٍ على غير قرار وقائم بغير قوائم ومرفوع بغير دعائم أي من دون قرار أو قوائم أو دعائم مرئية وهي القوى الجاذبة التي توجد بين الكتل والتي عرفها نيوتن لاحقاً بقوة الجذب الكونية.Universal Attraction Force
وقد عدّ اكتشاف أن الأرض كروية وأنها جرم سماوي على يد كل من العالمين كوبرنيكوس ومن بعده جاليليو وذلك في القرن الخامس عشر فتحاً وثورة علمية.
ثانيهما: إن الجبال أوتاد الأرض وهي في القرآن الكريم تسمى أوتاداً
"أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا. وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا" (النبأ: 6-7)
ورواسي "وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (النحل: 15)
وذلك لدورها في تثبيت القشرة الأرضية وامتصاص الزلازل والبراكين فعندما يحدث هناك ضغط على القشرة الأرضية في نقطة محددة فتتشكل هو او حفرة عميقة يتم امتصاص ذلك الضغط من خلال ظهور جبل.
من هنا يقول علماء الجيولوجيا أن حفرة ماريانا في المحيط الهادئ وهي أعمق حفرة في الكرة الأرضية إذ يبلغ عمقها حوالي 11 كلم يقابلها جبال هملايا بارتفاع يبلغ حوالي تسعة كلم في عملية توازن لمنع الأرض من التفجر والانهيار.
*أستاذ جامعي / الجامعة اللبنانية ـ بيروت
https://telegram.me/buratha