عدنان جواد ||
دولة المؤسسات مصطلح شائع يدل على كيان دولة ذات سيادة يحكمها نظام سياسي معترف به دولياً، والدولة حسب التعريف الدارج سياسياً، هي عبارة عن مجموعة من الافراد يمارسون نشاطهم على اقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه يتولى شؤون الدولة، ومختصرها الحكومة والشعب والاقليم، وللحكومة دور رئيسي فهي من تدير الامور في الدولة وتشرف على انشطتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغايتها تحسين مستوى معيشة الافراد، والدولة المحترمة معروفة، بقرارها المستقل، واقتصادها القوي، وقانونها المهاب، والعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص في المؤهلات والخبرات، واحترام مواطنها بتقديم جميع الخدمات.
اما المافيا او العصابات، فهو وصف يستخدم لوصف نوع من العصابات( عصابات الجريمة المنظمة) التي تمارس الابتزاز والترهيب والقتل والخطف في الحصول على الاموال، فهي تتلاعب بالنشاط الاقتصادي المحلي، سواء كان مشروعاً او غير مشروع كالمخدرات والتزوير، والمافيا معروفة في ايطاليا وصقيليا وروسيا وامريكا واليابان، فهي موجودة في اقوى الدول ولديها اسماء ومواثيق شرف بين افرادها بعدم فضح تلك المنظمات عند الوقوع بيد السلطات، لكن الفرق ان دولة المؤسسات يحكمها نظام سياسي مستقل تقوده مؤسسات الدولة المستقلة المحمية والحامية، بينما دولة العصابات يخضع النظام فيها لإرادة العصابات، وحتى لو وجدت مافيا من هذا النوع تبقى تحت رحمة القانون وسطوته في الدول المحترمة، وتنشط المافيا( العصابات المنظمة) في الدول التي يكون نظامها السياسي هش وضعيف، واقتصاد غير مستقر يعتمد على الاستيراد فقط، وانتشار الواسطات والمحسوبية والمنسوبية، وانتشار الطبقية وظهور (طبقة الحرامية )واختفاء الطبقة الوسطى، واقصاء الكفاءات وتهجير العقول.
ان انظمة الحكم العربية والعراق بشكل خاص، يختفي فيها التعليم المحترم وبشكله الصحيح، ويختفي البحث العلمي والتقدم التكنلوجي، ويصبح الاستهلاك السمة الغالبة للاقتصاد، حتى تذهب الارباح للحكام وحواشيهم، لذلك ينتشر الجهل وتسود العشيرة ، والخلافات الحزبوية والجهوية، وان ما يحدث اليوم في المحافظات الجنوبية وميسان بالتحديد، من عمليات قتل لنخب قضاة وضباط في وضح النهار وامام الانظار، يضعنا في مصاف الدول الفاشلة التي لا تحمي مواطنها فضلا عن قضاتها وضباطها والنخب فيها، وجل اهتمامها امن وسلامة زعماء تلك العصابات، فبعد ان سيطرت تلك العصابات على المنافذ الحدودية واصبحت تتحكم بمصدر القرار والدعم من جهات سياسية متنفذة، فبرغم ان المحافظات الجنوبية توفر اكثر من 90% من اجمالي الصادرات الكلية، والجزء الاكبر من ميزانية العراق الذي يعتمد على النفط بشكل كامل، لكن هذا الغنى سبب الدمار لتلك المحافظات، فالإنتاج النفطي سبب اضرار بيئية خطيرة، ومشكلات صحية، واخطرها البطالة فأبنائها لا يحصلون على فرص العمل، لان جولات التراخيص التي تم ابرام عقودها مع شركات نفط اجنبية تجلب العمال الاجانب معها، وفي محافظة ميسان المحافظ بقى في المنصب 14 سنة لم يقدم شيء غير مشاريع معطلة وامن مفقود، وندرة المياه للزراعة، والالغام منتشرة من الحروب السابقة ولكن لا يقال لأنه مسنود من جهة سياسية قوية،
نحن نمر بمرحلة وانعطافه كبيرة، فبعد ان كنا ممر للمخدرات اصبحنا الان من المتعاطين لها، والقانون غير محترم ويطبق فقط على الضعيف، فالأجهزة الامنية لا تستطيع القاء القبض على المطلوب لأنه اقوى من تلك الاجهزة، ويعلم الجميع ان الاجهزة الامنية تحت سيطرة المحافظ فهو المسؤول الاول عما يحدث، وينبغي ان يتحمل المسؤولية كاملة وان يطبق القانون على الجميع بدون محاباة، وابلاغ الجهات السياسية بان هناك مطلوبين للعدالة ضمن صفوف تنظيماتكم فهل انتم مع القانون ام ضده، فعصابات الفساد هي التي تتحكم بالدولة فالمناصب تباع وتشترى، وتعطل دور المؤسسات على نحو تام او شبه تام، وراينا كيف تعطل المشاريع الكبيرة وتتأخر الصناعة والزراعة والكهرباء في الدولة، ونتيجة لفائدة مجموعة محدودة مرتبطة بعصابات تدير الامور فيصبح النظام السياسي غير فاعل، ورئيس السلطة التنفيذية مجرد ديكور لا يقدم ولا يؤخر، فهو اما تابع لجهة قوية تامره كيف ما تريد او يكون مجرد توقيع.
فلابد للحكومة الحالية والقادمة، سحب السلاح من العشائر والجهات غير المرخص سلاحها من خلال شراء السلاح مع تطبيق القانون، والتخلي عن الحملات العسكرية التي اثبتت فشلها، ابدال القوات الامنية من محافظات اخرى وتدوير القطعات، وتفعيل اومر القاء القبض ضد المتهمين ودعم المنفذين، وتوفير الحمايات الكافية للقضاة لانهم مستهدفين من قبل تلك العصابات ، فإما ان نكون دولة قانون او دولة عصابات.