كوثر العزاوي ||
ينبغي للإنسان أن يختار من الأمور مايثري عقله وينعش روحه ويحذَر من هدر طاقاته، فليس كل شيء يستحق هدر الوقت الذي يمثّل عدّاد عمر الانسان، ولابد من الوقوف عند قيمة الاشياء لا كثرتها ولا نوعيتها رغم ضرورة وأهمية النوع، فقديمًا قالوا (لايغرنكم غلاء الثمن)، ولك ان تقارن مثلًا بين الماء والذهب أيهما لاتستطيع العيش بدونه فهو الأغلى والأعلى قيمة!
وقد لايقدّر بثمن، وهكذا قِس على كل مايستحق منك طاقتك ووقتك في جميع مفاصل حياتك بل وحتى ماترى وتسمع وتتأمل وتكتب، بل وأبعد من ذلك!
مَن تعاشر مَن البشر ومَن تساير ومَن توالي ومَن تعادي! وتلك معادلة لاتَعِيها الّا العقول التي تحسَب للنّعم حسابًا جوهريًا ، وتخشى التفريط بهباتِ العمر ، ولعلّ التقوى هنا هي المِفصل الدافع والمهم في الحرص على الفكر والمعتقد وأدواته من التشتت والبعثرة، وخشية ضياع الرصيد الحقيقي الذي هو رأس مال المرء إبتداءًا من القول ومرورًا بالفعل والتطبيق وانتهاءًا بالقرار المتبوع بتثبيت موقف معين أو قناعة ما.
ومانشاهده اليوم من بين جملة ظواهر كثيرة، هي ظاهرة "الثقافة الإلتقاطية" "والعقل الجمعي" الذي يسوق صاحبه للمِراء والعصبية، والتطرف في الرأي!
وغالبًا مايفتقر الى حجّة أو دليل عند الكثير من المؤمنين والمثقفين، والمثال على ذلك: مايتم مداولته من مقاطع سواء الصوتية منها أو المرئية اوالكَتبية ومايتعلق بطرحٍ فكريّ أو فقهيّ لبعض العلماء أو الشخصيات المعروفة بالاعتدال والورع ونظافة المنهج، وليس اولئك الذين تدور حولهم الشبهات فمثل هؤلاء هم في منأى عن قناعة المؤمن الصالح ولاشغل لنا معهم ، ومثل هذا النمط من الاهتمام والتركيز لبعض الناس، هو في الواقع تَتبّع للعثرات وليس توخّيًا للحقيقة أو حرصًا على حق ما يسبب مشاكلَ على مستوى التقاطع في الرؤى واختلاف في وجهات النظر.
ولعل مثل هذا الأمر يُعدّ أمرا بديهيًا، فالطرفان كلاهما غير معصوم، ووقوع الاشتباه والاختلاف وارد جدا، فما على الجميع سوى التحلّي بالورع واحترام الرأي الآخر المنطلِق من التقوى لا الهوى، سيما ونحن نعيش تداعيات مرحلة استثنائية تكتنفها الشبهات والاختراقات وكثير من فساد السرائر، وتربص الأعداء ما يُلزم العاقل التريث والأحتياط وعدم الانفعال والاندفاع في النقاش من غير دليل مقنع سوى أنّ الشخص الماثل في المقطع المعين مثلا ليس على سبيل قناعاته وخطّه!
مايفتح ثغرة لانشراح صدور الذين يسعدهم شقّ الصف الواحد، في الوقت الذي يجب على المكلف الذي هاجسه الحرص على مكتسباته الإيمانية لتبقى هي الوسيلة الآمنة التي تقرّبه من الله زلفى وتوصله للهدف عندما تكون له قناعات من جوهر شريعة السماء التي يتبنى، لا على شاكلة (والله سمعت هكذا...أو هم يقولون) والحق والاطمئنان أن يَقرِن متابعته بالتثبّت والتأمّل حتى يتأكد من دوافع ذلك المتكلم سيما وأنه لا أقل من أن يكون صديقًا لا عدوًا ، وله أن يناقش ويحاور ولكن بتجرد محض عارٍ عن أي هوى أو عصبية أو تحامل او انحياز لطرف معين أو أية جهة مهما بلغت القدسية، وبذلك يكون قد ألقى الحجة على نفسه وغيره، وإلّا فليتخذ من أقوال أهل بيت العصمة"عليهم السلام" نهجًا يُتّبع كما جاء عن مولانا علي بن الحسين(عليهما السلام) قائلا:
(المؤمن يَصمُت لِيَسلَم، ويَنطِق لِيَغنَم) وهذه إشارة مقدسة الى ضرورة مراعاة الضوابط في الكلام وعدمه وليس مسألة هوى ومزاج لدرجة فقدان البصيرة والأدب وبالتالي خسران الأخ والصديق!
يقول الله عزوجل:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ..)
وهنا أيضا يتجلى عاملين مهمين هما: "التقوى والقول السديد" وبهما يحرز المتكلم والمستمع عدم الخوف من الخديعة والكذب والاشتباه.
٢٩ رجب الأصب١٤٤٣هج
٣/٣/٢٠٢٢م
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha