كوثر العزاوي ||
إنّ الشعور بالضعف أمر واردٌ جدّا، وقد يُعدُّ دافعًا للتغيير أحيانا، سواء على المستوى الفردي أو الإجتماعي وحتى على مستوى أمة، وبذلك لابد من مواجهة الضعف من الداخل أولًا، بالعلاج الناجع لاستعادة العافية وشحذ الطاقة ليكون الإنسان مؤهلًا لمواجهة القوى من الخارج، ولعل الوهن الجسدي سرعان ما يَلقى استجابة بقليل من العقاقير ويسير من الوقت، خلاف الوهن الروحي تمامًا! فهو أبطأ وقتًا وأشد استجابة للمضادات التي من شأنها علاج الأمراض التي تتعرض لها النفس الانسانية مايجعلها تلقي بظلالها سلبًا على العقل فيلزم التركيز بالدواء وكثير من الوقت، وهذا مانلاحظه اليوم من مرضِ ضعف المناعة الروحية والاخلاقية التي طغت على شريحة واسعة من المؤمنين ولااقول غيرهم، لان"غير المؤمن قد مسح الشيطان على وجهه فارتدَّ عميان البصيرة" ولكن ما نعني، هي تلك الثلة التي تمتاز بسِماتِ الصالحين ظاهرًا لكنها تعاني من ضعف المناعة واقعًا، ماجعلها عرضة لمرمى القوى الخارجية التي تتكالب عليها من كل حَدب وصوب!!
ولانريد أستعراض تلك العوامل التي تؤكد الإصابة بذلك الداء لأنها غير خافية على ذي لبّ في زمن التداعيات وملابسات المرحلة إنما اكتفينا بالاشارة.
فأذا شخّصنا الداء فقد أحرزنا نصف العلاج كما يقولون ، وبقي أن نتحدث عن ضرورة إحراز الشفاء التام للنفس، حتى نستطيع تصويب البوصلة ليشمل العلاج جميع المجالات، وتبدأ عملية التغيير بمحتويات النفس أبتداءً بالأفكار، والاتجاهات، الثقافة، القيم، العادات والتقاليد، وحينما يكتمل تغيير النفس بدرجة كافية ينتقل إلى الميادين العملية، الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية والعسكرية والإدارية، وسينعكس كل ذلك تلقائيًا على الفرد لينسحب حتمًا على اختصاصات الفرد ونشاطاته ومهاراته ومعاملاته مع الناس بشكل ملحوظ.
ومن هذا المنطلق، اتمنى أن يفكّر كل راعٍ ومسؤول وربُّ أسرة، بعملية "البناء والتهذيب" قبل ان يفكّر بعملية "التغيير والإصلاح" الناتجة عن انعطافات وتعثرات، إذ أن متانة الأساس بداية البناء مَثَلهُ كمَثلِ "الوقاية من الأمراض"، وعملية التغيير مَثَلها "البحث عن العلاج" لاستئصال أكثر من حالة مرضية متأزمة قد تتبعها فترةُ نقاهةٍ طويلة الأمد، ومن هنا جاءت الحكمة المشهورة( الوقاية خير من العلاج)
وبالطبع إنّ مِثل هذا المشروع يحتاج الى تظافر جهود غيورة حريصة على انشاء مجتمع طاهر نقي غير ملوث، بل ارض خصبة تستقبل البذر فتخرج نباتها طيبًا، لتحرز الأمة "مجتمعًا" يقظًا ناظرًا لميزان السماء وضوابطها، لا لميزان الأرض وفوضويتها، ولحساب الله لا النفس، ولحساب الآخرة لا الدنيا، وبالتالي تلتزم هذه الامة سلوكًا فريدًا يتميّز بالاستقامة وقوة الإيمان وصلابة العقيدة والبصيرة وبُعدُ النظر بالواقع حاضرا ومستقبلا ، إذ يستطيع تحمّل المسؤولية والصبر على المصائب والشدائد وثبات القلب والقدم ، وفي حال لم ننتبه لعملية البناء فسنضطر كما معاناتنا اليوم إلى مضاعفة الجهود واستنزاف الطاقات لمواجهة أي ريح يتعرض لها المجتمع سيما شريحة الشباب فتقتلع جذور قناعاته وتغلق منافذ فكره وترمي به في صحاري الهوى والخوف والتيه والحسرة، وهذا ماحدث مؤخرًا ونحن نشاهد المئآت من شبابنا والبعض الكثير من الشِيَبة قد وقعوا صيدًا في شِباك ومصائد التشارنة والجوكرية وذوي العقائد المنحرفة وغير ذلك من هذه المسمّيَات فهم لايميزون العدو من الصديق!! فالشباب هم الركيزة الأساسية في المجتمع وينبغي للجميع أن يعوا دورهم ومسؤوليتهم إتجاههم سيما الذين قادوا عملية التغيير من الآباء والكبار اولئك الذين صنعتهم قسوة الأحداث ومرارة التجارب وما أحوجنا إلى شباب قدوة كالذين وقفوا شاخصين بيوم الطف ملتَفّين
حلَقًا وأسوارًا حول إمام زمانهم لأجل إعلاء كلمة الحق ونصرة الدين الحنيف..ونحن على أعتاب ظهور إمام زماننا بأذن الله تعالى، وها هي جراح الكون تستصرخ تلك "اللحظةَ الكبرى" من عالم الغيب التي طال انتظارها.
( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ )الزمر ٢٢
٢شعبان ١٤٤٣هج
٦-٣-٢٠٢٢م