كوثر العزاوي ||
من يتأمل القرآن يجد فيه من دقة التعبير والتوصيف، فضلًا عن بلاغته وعمق معانيه، تجده لا يعمّم على الكلّ، فهو يتحرى الدقة بإِبعاد اسلوب التعميم، وعليه: فإننا نجد مثل كلمات"أكثر"،"إلا الذين،"إلا مَن" قد وردت في سياقات كثيرة ولو نهج المسلمون والمؤمنون نهج القرآن في كل أبعاد التطبيق وأدب الخطاب لكان خيرا لهم ، ولَمَا وقع أحدنا في ظلمِ قومٍ اومجتمع او شعب، ولو أمعنا النظر لوجدنا ان القرآن الكريم وهو المنهج الجامع والدستور الذي يهذّب المنظومة الإنسانية، له مقاصد من كل آية، وأحد هذه المقاصد"اسلوب التعميم" وفي ذات الوقت نرى جأسلوب التخصيص في الجانب الآخر.
وقد أكّد كثير من المختصين والباحثين في العلوم القرآنية والأنسانية من أن إطلاق احكام التعميم هي إحدى أسباب التفرقة بين المسلمين إضافة الى كونه احد عوامل التثبيط والانكسار.
نعم! أليس من الإجحاف وعدم الإنصاف أخذ الأمور بمجملها دون الرجوع إلى التفاصيل أو المبرِّرات ثم بعد ذلك يقوم الحكم عادلا؟! وإلّا مافائدة أداة الإستثناء في الجمل القرآنية والنصوص الأدبية إن لم يعرف المكلّف عاقبة أمره ومكانته عند الله عزوجل ؟! وهو القائل:
{والعصر إن الإنسان لفي خسر إلّا الذين آمنوا...} ضع خطّا تحت أداة "إلّا"
وقال عزوجل:
(إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) الحجرات ١٢ ثم ضع خطّا تحت كلمة" بعض"
ومن هنا، فلا يُعقَل استعمال سوط التعميم وأخذ الصالح بجريرة الطالح؟!! مالكم كيف تحكمون!
علمًا أنّ ثمة آثار سيئة تلحق الإنسان والمجتمع والشعوب نتيجة هذا الاشتباه، وبالخصوص عندما يُنعَت شعبًا ما بالغباء والحمق أو العمالة أو التخاذل أو السكوت على الظلم وغير ذلك من الأوصاف غير العادلة، وفي واقع الحال نجد ذلك الشعب الأعم الأغلب منه ممّن يرفض الظلم ويقارع الطاغوت ويرابط في جبهات الحق ضد الباطل بدليل قوافل الشهداء ومطامير السجون وأعداد الثكالى والأيتام ! أليس من المؤسف ان ترى مَن يدّعون الوعي والبصيرة يقذفون شعبهم بالمطلق بسهام الاستخفاف والذلّ كما يفعل أعداء الإسلام عندما يُطلقوا الاحكام جزافًا على اهل الإسلام واصفين لهم بالارهاب تارة وبالتخلف والرجعية تارة اخرى؟!! وعليه: ينبغي للإنسان سيما المؤمن ان يتحلى بالتقوى والعدل والبصيرة وان يتخذ من القرآن مهذِّبا ورادعًا له والله عزوجل يقول{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ..}الانعام ١٥٢
وبهذا نفهم ان أسلوب التعميم ليست قاعدة حقّ ولو كان حقّ لذكره الحقّ في كتابه الذي لايغادر صغيرة ولاكبيرة ،والحق أنها نتاج النظرة القاصرة وهي مرفوضة على أية حال إذ أنها نقيض النظرة الموضوعية الواعية كائنا من كان صاحبها.
٥شعبان ١٤٤٣هج