المقالات

فرح المعرفة وفرح الجمادات..!

1178 2022-03-31

  د.علي المؤمن ||       يستغرب بعض معارفي من السياسيين والمسؤولين ورجال الأعمال حجم فرحتي عندما يصدر كتابٌ جديد لي، أو عندما ينشر أحد الباحثين مقالاً حول أحد كتبي، أو حين أقدم محاضرة فيها مقولات جديدة، أو حين يقام حفل توقيع وتكريم لي، أو عندما أحضر مناقشة رسالة أحد طلابي، كما يستهجن آخرون منهم أن أصرف أغلب مردودي المادي البسيط على مشاريع بحثية وثقافية وخيرية، ولا أفكر ــ مثلاً ــ بشراء بيت أو سيارة، ويمتعضون حين نستغرق مع بعض الأصدقاء المتشابهين في الاهتمامات، في النقاشات الفكرية والثقافية، ويعدّونها ترفاً ذهنياً و(بطر). أما استغراقهم هم في أحاديث السياسية اليومية والمناصب والمشاريع الاقتصادية والاستثمارات؛ فيعدونه صلب الواقعية والاندكاك بالحقائق وبمتطلبات الحياة العصرية.     وفي المقابل؛ أستغرب حجم فرحة بعض هؤلاء حين يتحدث عن شراء بيت جديد بثمن باهض، أو عن مواصفات سيارة فخمة، أو مشروع استثماري تحققت منه أرباح كثيرة، أو منصب رفيع، أو حسابات مصرفية باسم الأولاد. نعم استغرب؛ لأنني أعتقد أن هذه الأمور المادية العابرة لا تشكل أية ميزة ولا أية مدعاة للتفاخر والفرح الحقيقي، مقابل إنجاز فكري وثقافي، ومشروع معرفي، وعمل خيري، بل لا أجد أية ميزة لبيوتهم وقصورهم على بيتي البسيط، ولا لسياراتهم الفخمة على سيارتي المتواضعة، ولا يشغل هذا الموضوع أي حيز من تفكيري، إلّا بمقدار ما يشكل لي مادة للدراسة والتأمل.        لا أعرف لماذا لايتسرب الى نفسي أي إحساس بأن هذه الجمادات والمواقع يمكن أن تفرحني إذا حصلت عليها؛ ليس لأنني لم أجربها، أو أنني أدّعي الزهد والتصوف والانعزال عن فتن الدنيا وملذاتها؛ بل لأنني لا أمتلك خاصية الشعور بالفرح والتفاخر في الجمادات، التي هي مجرد وسائل للعيش الطبيعي، لا أكثر، ولا يأخذ منها أصحابها الى قبورهم ولا بحجم رأس إبرة، بل يتحملون وزرها في الدنيا قبل الآخرة، خاصة بعد أن يورثونها للأبناء والأصهار، بينما سآخذ معي الى قبري أعمالي المعرفية المنذورة، وهي باقيات صالحات، وزكاة دائمة وصدقة جارية، تنفع البلاد والعباد، ولن أتحمل وزر ما سأورثه لأولادي؛ بل سيرثون ما يزيدهم فخراً وعزاً.        ولست هنا في وارد نقد أحد أو نقد ظاهرة، أو تسجيل فضيلة لأهل المعرفة، أو إلقاء درس في الزهد والعمل للآخرة، إطلاقاً، بل هدفي هو الحديث عن إشكالية نفسية إنسانية تكوينية، لا دخل للإنسان ـــ غالباً ـــ في التأسيس لها داخله أو صناعتها في جيناته وعقله وقلبه؛ فلكل إنسان عشقه وهواه وهواياته وميوله ورغباته ومزاجه؛ فإذا كان عشق بعض الناس وهواهم يتلخص في الجمادات والمناصب والأموال؛ فأنا عشقي يتلخص في القلم والورقة واللابتوب والكتاب، وكلانا من حقه أن يعيش عشقه وهواه، ولا يمكن أن نُلام على ما نعشق، لطالما كان عشقاً حلالاً من ناحيتي القانون والشرع، ولا يؤثر سلباً على الآخرين ولا يتجاوز على حقوقهم وحرياتهم.       ولكن؛ في الوقت نفسه، ينبغي لإنسان الجمادات كبح جماح نفسه، والتوفيق بين أهوائه وهواياته الحسية وعشقه للمال والمناصب والجاه المادي و(الفخفخة) الاجتماعية، وبين العمل الصالح والمعنوي والخيري، والثقافة والمطالعة وكسب العلم والمعرفة، أو على أقل تقدير ودعم وتشجيع من أوقف حياته لهذا الدور.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك