( ومالنا الا نتوكل على الله وقد هدانا سُبلنا ولنصبِرنَّ على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون ) سورة ابراهيم الاية 12
الصبر بالعموم هو ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب فهو توطين للنفس على احتمال المكاره وهي من الفضائل العظيمة التي تلازم الايمان وتتمثل منه بالرأس من الجسد .
إن مفهوم الصبر واسع ومتشعب بتشعب نوع المكاره التي تحتاج الى تحمل من تجلد امام مصيبة أو ثبات على طاعة أو مقاومة لمعصية ، وهذه المساحة العريضة لا تتناسب وسطور محدودة لذا سننتقي فرعا ً من غصن هذه الشجرة ونتامله وهذا الفرع هو الصبر على الاذى .
القران الكريم نقل لنا الكثير من المحاورات التي دارت بين الرسل والمعاندين من قومهم والذي يُظهر كم التعدي والتجاوز الذي يجري على اللسنة المعاندين وقد يتمادى الى التجاوز الجسدي علاوة على اللفظي وبما يعرف حاليا ً في المجتمع ( بالتنمرّ) وبالوصول الى هذه النقطة نلاحظ ان رد الرسل والانبياء له خطوط مشتركة من اعلان عن توكلهم على الله عز وجل وتمسكهم بالدعوة من جانب واختيارهم لفضيلة الصبر على الاذى كردّ فعل من الجانب الثاني .
إن اختيار الصبر على الاذى من قائمة اختيارات متعددة للرد والدفاع عن النفس مدعى للتأمل خاصة بصدوره من الانسان الكامل كالرسول المختار من الله تعالى ، ذو العقل الراحج والحكمة العالية والاخلاق الحميدة والتي لابد لاختياراته ان تكون نابعة من هذه الصفات .
( ادفع باللتي هي أحسن ) هي قاعدة قرانية تبين بوضوح ضرورة أن لا نختار عشوائيا ً من قائمة الاختيارات اذا لابد لنا من البحث عن الاحسن فالرد اللفظي مثلا ً خيار ولكنه قد يخضع لانفعال ويشيبه ما قد يكشف ستر المقابل او يجرحه أو يجر لجدال وحتى أن خضع لكل المقاييس الصحيحة سيكون هناك ردّ وردّ تلو ردّ. ويخرج الموضوع من قضية الى قضية اخرى وهي نُصرة الأنا .
ثمارات الصبر تتلألأ في أيات القران من محبة ونصر ومعية مع الله عز وجل ( إن الله مع الصابرين ) ( يحب الصابرين ) و... وهي غير خافية علينا ولكن نادرا ً ما يأخذ الانسان بنتائج التجربة جاهزة ويستثمرها ويختصر الوقت والجهد ، فهو يميل للتجربة بنفسه وهذا ليس بالمعيب اذا انه ممكن أن يختار ردّ فعلين لموقفين مشابهين على ان يكون الصبر على الاذى احد هذين الخيارين ثم يحلل النتائج ويصل للقناعة التي هي بلا شك قد اشير لها على لسان الانبياء من قبله .
التنمرّ مصطلح جديد ودارج جداّ في تعاملات المراهقين بالخصوص في الوقت الحالي ومنبعه هو الانحطاط الاخلاقي الذي يعيشه العالم اثر اهتمامه بالمنظومة العلمية المادية وتطورها واهماله للمنظومة الاخلاقية حتى وصلت الى ما وصلت اليه ، وكأي مشكلة فالتنمر يحتاج الى حلول ، وهذا ما تقدمه وسائل التواصل والمتخصصون في التنمية البشرية ، ومن باقة الحلول تلك لاتجد اشارة لفضلية الصبر على الاذى !!! رغم انها اختيار الحكماء بل انه من الصعب ان تقنع الابناء بتجربتها !! ففضيلة الصبر أُطرت بإطار سلبي ! رغم انها أفضل الحلول .
تحجيمنا لهذه الفضلية هو انفكاك عن دائرة الايمان
14/شهر رمضان /1443هــ
https://telegram.me/buratha