( الذينَ آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيلِ اللّه بأموالهم وانفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون )
سورة التوبة الاية 20
إن تفاعل الإنسان مع محيطه ينتج عنه بمرور الوقت ارتباطات وثيقة مع الموجودات ، ومن جملة هذه الارتباطات ارتباط الإنسان بالأرض التي وُلد فيها وترعرع ، فينشأ عن ذلك الارتباط حب لم ينكره الدين الإسلامي على معتنقيه بل أيده وجعله من مقاييس الايمان ، فعن الرسول الاكرم ص ( حب الاوطان من الإيمان )
وعلى الرغم من ذلك فإن الدين الإسلامي لم يُلزم المؤمن بالثبات الجغرافي ، في حال تعرض وجوده ودينه للخطر في تلك البقعة فمازال الهدف الأساسي للإنسان هو حفظ دينه والسعي في تكامل وجوده لنيل رضا الخالق فلابد أن يُزيل اي عائق يعترض طريق هذا الهدف وإن ربطه بذلك العائق ارتباط قوي .
إن قرار الإنسان بفك إرتباطه بوطنه قربة الى ربه يكون مصحوبا ً بمسحة حزن وأسى وإن أ تُخذ عن قناعة لذا ارتبط مفهوم الهجرة في سبيل الله برفع درجة المؤمن ووقوع اجره على الله لانه جعل دينه في قمة اولياته واختياراته التي تتقاطع وسعادته الشخصية احيانا ً ، وهكذا جرت السُنة الالهية في اغلب الدعوات حيث رافقتها الهجرة في مرحلة من مراحلها بإنتقال المؤمنين من مكان الى اخر حفظا ً لدين الله فعن الرسول الاكرم ص ( من هاجر في سبيل الله كان مع ابراهيم في الجنة ) .
ولما كان هذا الاجر العظيم مقابل ان يتخلى الإنسان عن ارتباط خارجي دام سنوات مع ارضه فكيف يكون الاجر إن قرر الإنسان ان يهاجر من نفسه الى الله تعالى قاصدا ً القربى ، تلك النفس التي لايتحقق عنها الانفصال جغرافيا ً فهي متلازمة مع وجودنا زمانا ً ومكانا ً تطمئن تارة وتأمر بالسوء تارة اخرى تشتهي حينا ً وترغب احياناً اخرى وتتلاعب في إراداتنا وهمتنا إن اطلق اليها العنان .
النفس هو ذلك الابتلاء الشفاف الذي يجري في عروقنا ، والذي لابد من تقبل حقيقة أن خلف تلك الملامح الطفولية للنفس يكمن الد الاعداء ، فاللنفس وجوه منها الامارة بالسوء ومنها الطائعة والدنيا وحبها هي آلافة التي تجتاح النفس ووفقا ً لنتاج هذه المواجهة بين النفس وحب الدنيا يتقرر مصير الإنسان !! وفق الكفة التي سيرجحها هو باختياره .
إن اتابع انوار الفطرة السليمة في دواخلنا هي صمام الامام لوجودنا الضعيف المتعايش مع النفس التي ممكن أن تخون في اي لحظة لو تملكتها الآفة بل وتتحالف مع الشيطان ضد كيان يُعد وطنا ً لها !!!
اللهم تقبل قلوبنا المهاجرة اليك بأحسن القبول
26 – شهر رمضان – 1443هــ
https://telegram.me/buratha