د. محمد ابو النواعير *||
يؤمن الكثير من المختصين بدراسة الفعل الاجتماعي، ان افعال الافراد تتأثر كثيرا بنمطين من التفاعل، الاول يأتي من خلال الجماعة الاجتماعية، والثاني يأتي من خلال الانفعال الفردي الداخلي.
كلا النمطان يتفاعلان وينتجان الشخصية والمجتمع.
تفضيل او تفعيل احد النمطين على الآخر قد يسبب خللا في المركب الحضاري لاي شعب او أمة من الأمم.
فحالة الانفعال والتأمل الذاتي الداخلي تنتج الابداع والابتكار الفردي، والتفاعل الاجتماعي مع المجتمع يقود الى تكوين بناء اجتماعي متراص ومتماسك ومجتمع سليم بعيد عن الانفعالات.
تعاني مجتمعاتنا العربية بشكل عام (والمجتمع العراقي بشكل خاص) من مشكلة جوهرية، تتعلق بطبيعة البيئة الاجتماعية، المصابة بتخمة متطرفة في حب العلاقات الاجتماعية، على حساب الابداع الفرداني، والذي يتطلب بدوره غالبا، العزلة والجد والاجتهاد الذاتي والانقطاع عن المجتمع.
واحدى نتاجات هذه التخمة في العلاقات الاجتماعية، هي تكسر الوعي النخبوي في المجتمع، مما يجعل المجتمع مهيئا لتصدّر السطحيين والإمعات والجهلة، لقيادة الشأن الاجتماعي والعلمي والثقافي، واحيانا الديني. !
السبب (الاجتماعي- النفسي) يكمن في مجسات الاستشعار المعرفي عند الفرد، فطالما ان مجسات الاستشعار المعرفي لدى الفرد والجماعة، هي مجسات اجتماعية وفقط، تنفعل وتتفاعل فقط مع ما يؤثر به وينتجه المجتمع، كلما كان التصدير الاجتماعي متلائما مع الذائقة الاجتماعية الانفعالية (الكسولة معرفيا)، ليأتي بعدها تصدير هذه النماذج بسهولة كبيرة، لتتسيد كل المشاهد العامة.
كثير من المجتمعات الاخرى نراها ناجحة لانها لا تعر اهمية كبيرة للتواصل الاجتماعي والعائلي والاسري والقرابي والمناطقي القائم على الزمالة والصداقة الانفعالية الوجدانية، كما هي موجودة لدينا بشكل انصهاري جنوني، لذا نجد تلك المجتمعات يظهر فيها الابداع بشكل كبير عند افرادها، ويكون تسيد المواقف العامة والخاصة فيها من قبل النخب الرصينة، بعكس ما هو لدينا من ذوبان في اطار الخطاب الاجتماعي الناتج عن حب جنوني للتواصل والعلاقات الاجتماعية بين الاخوة والاهل والاصدقاء والاقارب والجيران وزملاء الدراسة .. الخ، مما خلق اطار إلزامي يدفع الفرد لينجرف في فضول كبير لمعرفة كل ما يتعلق بجزئيات وصغائر ما يمر بالمجتمع وافراده، فيتحول حينها الى متلقي سلبي، مهمته فقط تلقي ما يمليه عليه المجتمع، صحيحا كان ام خاطئا، فهو لم يعد يملك اداة للتميز، لانه فقد كل خصوصية ذاتية يستطيع ان يفكر فيها ويقيم ويوزن الأمور.
وهذا ما جعل من السهولة بمكان، تصدر مثل هذه النماذج التي مرة تدعي الاعلمية في الدين، ومرة تدعي الاعلمية في السياسة او العلوم، طالما ان هناك اطار اجتماعي يفتقر لقوة التحليل، يفرض على افراده تصدير هذه الشخصيات.
لذا، نرى دوما مجتمعنا ينحدر بشكل رهيب في تكسر بنائاته النخبوية الرصينة، والتي لها مكانة عالية دوما في تصحيح بوصلات التوجيه الاجتماعي، وتصدير نماذج الفعل الاجتماعي الصحيح.
النتيجة: العبرة ليست بالنوع او الكم الاجتماعي.
العبرة بمنهج المجتمع في طريقة العيش والحياة.
اغلب المجتمعات العربية فاشلة في أطرها الخاصة بالتنمية العلمية والبشرية، لان حيز التواصل الاجتماعي يبعدهم كثيرا عن مجالات الابداعات الفردية التي تحتاج الى تفرغ الفرد لذاته، واخراج مكنونات الابداع عنده وتشغيل قوة العقل الذاتية التي اودعها الله في الافراد.
* ؤدكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الامريكية المعاصرة في السياسة.