الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||
يقول الإمام علي " أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَلَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ " ومعنى ذلك أن لا مفك من العلاقات الانسانية المتبادلة التي يؤكدها ابن خلدون في مقدمته بقوله "أن الاجتماع الإنساني ضروري ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم الإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع " وإذا قررنا ذلك علينا البحث في السبيل لإنجاح تلك العلاقات الانسانية ، لأننا نعتقد أن أرقى ما يمكن أن يتمتع به الإنسان به ويستشعر سعادته ويتذوق حلاوته هو ما يأتيه من العلاقات مع الآخرين المبنية على وفق القوانين العقلانية في العلاقات الانسانية ، ويشير ( أرسطو ) بقوله : " أن السعادة لا يحصل عليها الإنسان حينما يذهب إليها مباشرة ، وإنما حينما ينغمس في نشاطات أخرى تجلب السعادة " وهذه النشاطات في منظومة أرسطو هي العلاقات الإنسانية المتعددة ، ويمكن الاستدلال على مؤشر صحة الفرد النفسية ودراسة منحنيات الصعود والهبوط فيها من خلال معرفة قدرة الفرد على بناء علاقات جيدة مع الناس ، إذ يقول العالم ( إيمرسون ) في تعريف الصحة النفسية " إنهما ميل للبحث عن الجانب الطيب في أية حالة " ، وهنا يعني أن الصحة النفسية تتناسب مع القدرة على معاشرة أكبر عدد من أصناف الناس بتعدد أمزجتهم واهواءهم ونفسياتهم فالقدرة على التوفيق في مستوى العلاقات مع الإنسان المنفتح والانسان الانطوائي تُعدّ علامة بارزة في التفوق الانساني على الذي لا يستطيع أن يعاشر إلا من هم في طبقته أو قريب منه ، ولنا أن نضع نقاط عدة في أسس نجاح هذه العلاقات منها :
1ـ الطريق الصحيح للحصول على الحب هو منح الحب لمن تريده أن يحبك وتنال احترام الآخر بأن تبدي له احترامك .
2ـ إن مقدار رضانا على انفسنا هو المقياس لمقدار حبنا للآخرين فتحقيق رضا الذات كفيل بتقبل الآخر ، إذ لا يمكن عدم رضاك على نفسك أن يجتمع معه رضاك عن الآخرين ففاقد الشيء لا يعطيه.
3ـ أن تشعر الآخر أنه مهم وأن تتقبله بصرف النظر عن انتماءه وفئته ومهنته ، فعملية الاتصال الانساني يجب أن تتم على وفق هذا الأساس ، والطريق الذي يسبق ذلك هو الابتسامة في وجهه فالابتسامة تعني الكثير وواحدة منها تعني أنني اتقبلك كما انت .
4ـ الإشعار بقيمة الآخر والثناء عليه ومدحه وإبداء الإعجاب بعمله وأن كانت ليست بصورة دائمة بل التقط الاوقات التي لا يتوقعها الآخر ولا تبالغ في المدح لأن هناك مدح مدمر في قبال نقد مثمر، فكلما مدحته فإن تقديره لذاته يرتفع.
5ـ الامتنان والشكر من الآخر خصوصاً عند تقديمه مساعدة لنا ، إذ يقول برايان تريسي " لقد سافرت في كل دول العالم فوجدت كلمة شكراً تفتح لي الأبواب ".
6 ـ لا تنتقد الآخر أمام الآخرين ولا تحاول الظهور بمظهر الناصح أمامهم لأن الإمام علي (ع ) يقول: من وعظ أخاه سراً فقد زانه ، ومن وعظ علانية فقد شانه. أحرص على أن تكون نصيحتك سراً لكي يكون مجالاً لتقبلها بشكل أكبر لأن النصيحة او الانتقاد أمام الآخرين يحطم النفس ويجعل من الآخر يتذرع بتبريرات لدفع ما قلته عنه لأنه يعتقد من غير الممكن أن يفعل الإنسان ما يعتقد في عقله الواعي إنه خطأ.
7ـ لا تجادل على كل شيء فالمجادلة رسالة مشفرة للآخر معناها أن كل ما حصلت عليه من علوم ومعارف وتجارب في حياتك إنها خاطئة ، مما تنعدم حلقات التواصل الانساني فيما بعد.
8ـ كن مستمعاً جيداً لما يقوله الآخر وأن تستمع ووجهك تجاه الشخص ولا تقاطعه حتى يكمل حديثه فالمقاطعة تعني أن لا قيمة لكلامه ، فالنبي ( ص وآله ) على الرغم من أن عتبة بن ربيعة مشرك لكن عندما حاوره كان النبي ( ص وآله ) صاغياً له حتى أكمل وقال له ( ص وآله ) ( أو قد فرغت يا أبا الوليد ) بمعنى هل انهيت كلامك أم لديك شيء آخر تضيفه حتى ابقى مستمعاً لك ، وهذا الخطاب يجبر الآخر على الاستماع إليك واحترامك فلنجعل من ( أو قد فرغت يا أبا الوليد ) مدرسة ومنهج لنا في الحياة كأساس تعاملي مع الآخر .
فالذي يتصفح التاريخ يجد أن أئمتنا الأطهار جعلوا من أُناس كانوا شديدي العداء لهم جعلوهم من أشد محبيهم ولا مجال لذكر الأمثلة خشية الإطالة لكن بوسعك الاطلاع في حياة الإمام الحسن (ع) وقصة ذلك الشامي وحياة الإمام زين العابدين (ع) في قضية ذلك الذي يشبعه شتماً كلما رآه ، وحياة الإمامين الكاظم والهادي عليهما السلام وتعاملهما مع الموكلين بهما في الحراسة والتضييق في السجن بجعلهم محبين وموالين أُصلاء بعدما كانوا أعداء ألدّاء.