حازم أحمد فضالة ||
نهنِّئ الصِّحافة العراقية اليوم، بمناسبة عيدها، فكل عام والصِّحافة والصِّحفيون والإعلاميون بخير وسلام، ونحو مستقبل خلَّاق واعدٍ إن شاء الله.
· توطئة لغوية:
هي (صِحافة) بكسر الصَّاد، وليس فتحها، لأنها على وزن (فِعالة) مثل: زِراعة، صِناعة، مِساحة، خِياطة، سِباحة… فأنتَ لا تفتح الحرف الأول من هذه الكلمات.
الصِّحافة في العراق لا يمكن أن تنفكّ عن (الفصاحة)، أي: اللغة العربية الفصحى، فإن فعلتْ؛ فهي ليست صحافة، بل تكون مهنة شعبوية أخرى! علمًا أنَّ من مسؤولياتها كشف الحقيقة وإيصالها إلى الجمهور والرأي العام، وصناعة الرأي.
العراق أصل الكتابة والفصاحة والبلاغة، فهو الحضارات الأولى في فجر التاريخ: سومر وبابل، سومر التي علَّمت الإنسان أن يكتب ويقرأ مسماريًّا، حتى التقت الحضارات بحضارة الإسلام، فأتى الإمام علي (عليه السلام) إلى الكوفة، وشاء الله أن يُدفن ستة من وِلده الأطهار في العراق، وهو سيِّد البلغاء والمتكلمين، وبسبب ثقله اللغوي البلاغي الأصيل؛ أُسِّسَت في العراق (مدارس اللغة)، فمنها: المدرسة الكوفية، المدرسة البصرية، المدرسة البغدادية… وظهر الفطاحل والجهابذة والأساطين في اللغة العربية، وحتى غير العراقيين منهم جاؤوا إلى العراق ليصنعوا أنفسهم ومجدهم، فنحن يا سيداتي وسادتي (سُلالةُ نهج البلاغة).
ظل العراق ولَّادًا للغة والأدب، ومنه انبثق العالم اللغوي الخليل بن أحمد الفراهيدي (البصري) المؤلِّف الأول لعلم العروض في الشِّعر، وصاحب أول المعاجم العربية (معجم العين)، وبزغ كوكب المتنبي:
(أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبي … وأسمَعَتْ كلماتي من به صَمَمُ)! ومِنّا الشاعر السياب ونازك الملائكة والجواهري (شاعر العرب الأكبر)… وآلاف القامات المحملة باللغة والأدب والشِّعر والنحو والبلاغة والصَّرف، لكن! أين مكانة العراق اليوم من هذه السلالة العريقة المُثلى؟
1- كذَّبوا على العراق محاولين تحجيمه، ومصادرة حقيقته وهويته؛ حتى قالوا: (مصر تكتب، وبيروت تطبع، والعراق يقرأ)! وهذه أفظع كذبة قرأناها، وتشنيع وتسفيه بحق العراق وتاريخه في الكتابة والتأليف والتفكير، فلو نظرنا إلى ما ذكرناه آنفًا، وجئنا بالحوزة العلمية مذ كانت في مدينة بابل، وحوزة النجف الأشرف بعمر يتجاوز ألف عام، واطَّلعنا على مؤلفات العلماء لوجدنا الأطنان من الكتب والمخطوطات، ومئات الآلاف من حلقات الدروس، وهذا وحده كفيل بهزيمة تلك المقولة البائسة الجائرة بحق العراق، فقد صورت هذه المقولة العراق على أنه عاجز عن التفكير، وغير مثقف، وهو قرية تستورد أفكار غيرها!
2- اليوم الصِّحافة في العراق، ربما أكثر من (95%) منها لا تنطق باللغة العربية الفصحى (نُطقًا)! بل تستعمل لهجة الشارع! والقنوات الفضائية العراقية كلها لا تعتمد اللغة العربية الفصحى! بل تعتمد لهجة الشارع، أو ما تسميه (اللغة الثالثة، لغة الإعلام) وهذا تسفيه جديد! لا ندري من أين حاؤوا به! ومن أي ماخور شعبويّ لغوي!
4- لا نجد اليوم مدير قناة فضائية يكتب المقال فضلًا عن الدراسة، ولا رئيس التحرير فيها، ولا مدير أي قسم! فهم (خبريون، مدونون)! لكن انظر إلى الصِّحافة الأجنبية؛ تنشر المقالات والدراسات، ورؤساء الأقسام فيها يكتبون المقال، ويهتمون بلغتهم.
5- الفضائيات في العراق أهملت اللغة العربية الفصحى، وهي تنحدر نحو غربتها في العالم العربي الفصيح؛ لتتمحور حول محليَّتها، فتلك قناة الجزيرة، والعربية، والميادين… وغيرها، كلها ناطقة بالعربية الفصحى! ولم تفكر الصِّحافة العراقية كيف تتواصل مع العالم العربي؛ وهي فاقدة للفصاحة!
6- هجروا مضامين دعاء الإمام الحسين (ع) يوم عرفة، ودعاء أبي حمزة الثمالي… ولغة القرآن الكريم التي تحمل مفاتِح أسرار الحياة والوجود والرحلة فيه ومنه إلى الآخرة، وتحطمت بذلك أسوار العلاقة الحقيقية بين أصل اللغة وبلاغتها (القرآن ومحمد وآله)، وهُتِكت وأُدخِلت السِّجن!
· التوصيات
1- إعادة صياغة مناهج اللغة العربية في المؤسسات المعنية كلها، بإشراف متخصصين، يكون أساسها لغة القرآن الكريم.
2- فرض برامج للغة العربية الفصحى في الفضائيات كلها، ووضع خطة في سقف زمني؛ ليكون كل الناطقين في الفضائيات يعتمدون اللغة العربية الفصحى.
3- الفضائيات ومديروها ومديرو أقسامها، يرفعون مستواهم من (الخبري والمدون)؛ إلى كاتب المقال.
4- المثقفون والنُّخَب والإعلاميون على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدأُون رحلتهم نحو الفصاحة، ويعتمدونها في نشرهم وحواراتهم القصيرة، ولا يتحججون بمسألة الوقت، أو صعوبة ضبط الإملاء! وليعلموا أنها مسؤولية إسلامية، وخلافها يكونون مصداقًا لهجر القرآن الكريم؛ فالهجر هجر تدبره وليس هجر تلاوته!
﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30]
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha