محمد الكعبي ||
السيادة مفهوم واسع يحتاج إلى تشخيص دقيق. فماذا نقصد بالسيادة؟ وما هي السيادة؟ ومن هي الدولة السيادية؟ هذا يحتاج إلى الكثير من الكلام وقد تناولنا موضوع السيادة في مقال سابق.
لكن المهم اليوم هل العراق بلد سيادي؟ وهل قراره السياسي داخلي؟ وهل هو مستقل تماما؟ وهل يتمتع بحرية التعامل والتعاطي مع الأحداث والدول والأزمات والقرارات بمفرده؟ هل يتمكن من فرض مصالحه على الآخرين؟ وهل يحكم سيطرته على حدوده ومنابعه وخيراته ، أم يحتاج إلى راعي يرعاه من خارج الحدود ووصي قيم عليه يدير شئونه؟.
كل هذه الأسئلة تحتاج لبحث وترتيب في أولوياتها حسب أولويات الدولة المعاصرة, فالعراق ليس وجودا طارئا عن المنظومة الدولية, لكنه بالتأكيد يعيش الآن وضعا معقدا تبعا للعملية الديمقراطية المعقدة وإرهاصاتها .
العراق اليوم عراق بلا سيادة تتحكمه دول إقليمية وعالمية وهيئات , فضلا عن الاتفاقيات الملزمة والمفروضة عليه, خصوصا انه يعاني من ضعف الحكومة , وفقدان السيادة الوطنية, والمحاصصة, وتشتت النخب السياسية وتبعية بعضها للخارج، وتسلط المليشيات والخارجين عن القانون والعصابات المنظمة.
فالتقارب الإيراني الخليجي, ومشروع الشام الجديد، والحرب الروسية الأوكرانية، ومشاكل النيتو والتحالفات الدولية وبروز الصين وتناميها عالمياً , والحرب الاقتصادية بين الدول العظمى, وتقييد الدولار والملف التركي الإيراني وقضايا الماء والنفط والحدود والطاقة والاتفاقيات الإقليمية والعالمية ومشاكل الحدود بين الدول، والمنظمات العالمية والهيئات الدولية وملف الداخل والخارج, والعلاقات مع الدول، والموقف من الاتفاقية الصينية وملف الموانئ والربط السككي وملف الديون والقروض الداخلية والخارجية والاعتداءات المتكررة على العراق، سوء الخدمات وتراجع في التعليم والصحة وانتشار البطالة, والفقر والفساد الاداري، وتعطيل الزراعة والصناعة وتداخل عمل الهيئات والوزارات في ما بينها وغيرها من الملفات الكثير تجعلنا نذعن ان السيادة العراقية ليست الآن من سلم أولويات القيادة العراقية فالفاعل السياسي العراقي غير مؤهل للتعاطى معها , فماذا يمكن أن يحمل في جعبته من مشروع أو أوراق قوة وحلول لكل هذه الملفات؟.
نحن في عام 2022م، ومازلنا نتمسك بأدوات لاتصلح حتى لعام 1900م، لذا نجد الخطاب والقرارات لكثير من القيادات السياسية العراقية بسيطة ولا ترتقي إلى ماوصل إليه العالم اليوم، ومازالت المزاجية والمصالح الشخصية وردات الأفعال هي الحاكمة على المشهد العراقي.
إن فقدان المشروع الحقيقي والواقعي وتجاهل الشعب وانشغال أغلب الطبقة الحاكمة ببناء الأحزاب والأموال والمشاريع الخاصة؛ جعلت البلد يعاني من أزمة نخب قيادة ويفتقر لأبسط مقومات النجاح والتنمية، مما يجعلنا أمام مسؤولية تاريخية أن نقف بوجه المتسلقين والأقزام الذين يريدون أن يتعملقوا على حساب الشعب.
ينبغي أن يكون هناك سلم أولويات, وبرنامج واضح المعالم محدد يتماشى مع تطلعات الشعوب المتحضرة، شعبنا صاحب الحضارة الأولى وهو من عَلمَ العالم الكتابة وسن القوانين في زمن كان الآخرون يعيشون الجهل والتحجر، العراق أولى ان يكون رائدا في كل شيء،.
إن الإرادة لوحدها غير كافية لبناء بلد؛ بل لابد من مقدمات منها: الشعب والنخب والثقافة العامة والفاعل السياسي الوطني الناجح والمنهج الفكري والثقافي والاجتماعي والإيمان السليم والثقة بأنفسنا .
إنا نملك القدرة والإيمان والسعي للتغيير، وليس تغيير وجوه أو أسماء فقط, بل تغيير على جميع المستويات، و البدء من النفس وما تحمل من أفكار ثم ننطلق إلى تغيير المجتمع ثم البلد والبداية تكون من التعليم والقانون، ولنا نموذج بألمانيا التي خرجت من الحرب وهي عبارة عن أنقاض لكنها ملكت قرارها واستشعرت المسؤولية فانتفضت وصارعت وتحدت كل الظروف حتى أصبحت اليوم دولة عظمى، واليابان ليست بعيدة عنا والصين التي كانت تعيش الفقر والجوع والبؤس والمخدرات واليوم هي من الدول الرائدة ويوغسلافية وغيرها من النماذج التي نحتاج إلى دراستها والوقوف عندها وهناك نماذج من الدول العربية التي أصبح اليوم حلم الإنسان أن يسكن فيها.
هدم الأسرة وإفشال التعليم, وإسقاط القدوة, وتسفيه العقل, وتشجيع التفاهة والتافهين هدف يسعى إليه الأعداء؛ لكي لا يبقى لدينا شيء، لذا نحتاج إلى إعادة النظر بالقوانين والتشريعات وتهذيبها بما ينسجم مع بناء دولة مؤسسات عصرية، وليس دولة قبلية وجماعات وبيوتات متخلفة.
نعم قد تتحمل الجماهير المسؤولية لأنها هي من صفقت ورقصت وشجعت وأيدت وأوصلت تلك الشوائب إلى الحكم بجهلها وتملقها وانتهازيتها وجبنها. فعليها أن تكفر عن ذنبها بان تعلن التوبة وتعود إلى طلب العلم وتزيح الجهل من عقولها لتتمكن من التغيير وإلا فلا، ألا يستحق العراق منا أن نعمره ونطوره وننبذ كل أنواع التجهيل والخرافة والتبعية ونتمسك بالعلم وننمي روح الوطنية في أنفسنا ونعيش عراقيون فقط .....
اعتقد إن العراق يستحق الكثير