عبدالملك سام ||
قصة كربلاء، وقضية كربلاء، وذكرى فاجعة كربلاء لا تحتاج إلى كل هذا الجدل الذي يثار سنويا، فمن المفترض أن الأمة بأجمعها تدرك فداحة هذه المآساة التي عاشها سبط النبي الأكرم (ص)، ومن الواجب أن نشعر كلنا بالآلم لما حدث للحسين (ع) ولأهله ولمن كان معه، على أيدي أشر وأحقر خلق الله في حينه، أولئك الذين باعوا دينهم وأخلاقهم وشرفهم مقابل القليل من عرض الدنيا الزائل.. فما أفضع الجريمة، وفداحة جريمة السكوت عنها!
لنسأل أنفسنا أولا، لماذا لا يزال البعض يحاولون أن يخفوا حادثة كربلاء عن الناس بهذا الاصرار، ويزيفوا ويحرفوا أحداثها؟! هل لأن الحسين بن علي (ع) شخصية فيها جدل، فلا نعرف هل هو على الحق أم على الباطل؟! هل هناك شك في دينه وهو من قال عنه جده (ص): "حسين مني، وأنا من حسين"؟! هل هؤلاء، الذين لا يريدوننا أن نعرف شيئا عن حادثة كربلاء، جاهلون بفداحة الجريمة وآثارها الممتدة منذ تاريخها وحتى اليوم؟! المؤكد أن "لا"، فهم متواطئون مع سبق الإصرار، وأما (لماذا) فإن هذا يعود لخبث نفوسهم التي تشبعت بالزيف واللؤم والحقد على أعلام الهدى؛ فهم تربوا وتتلمذوا على أيدي المجرمين وأهل الباطل.
كربلاء لا يجب أن تنسى؛ لأن الأمة منذ وفاة النبي (ص) إنحرفت، وتوالت الإنتكاسات حتى وصل الحال إلى أن يقتل علي والحسن والحسين (ع)، ثم تكررت كربلاءات أخرى حصدت الدماء الزكية لمصلحة خط الباطل حتى اليوم، فذاقت الأمة على أيدي حكام الجور ألوان الذل والهوان، حتى أتخذوا المسلمين خولا خداما، وأموالهم دولا بين الفاسدين، والإسلام دغلا لخدمة مصالحهم. وليس من المستغرب بعد هذا أن يصير حال المسلمين اليوم في أحط مستوى حتى باتت الأمم لا تقيم لهم وزنا، وتتسابق فيما بينها لتستعبدهم وتذلهم.. فهل عرفنا خطورة جريمة السكوت عما حدث في كربلاء وما سبقها وما تلاها؟!
اليوم نشاهد أولئك الملوك والحكام الذين يعتبرون إمتدادا لليزيد الفاجر، وهم يتهافتون على تقبيل أحذية اليهود والنصارى، بينما يذيقون شعوبهم الويلات والأزمات والظلم، ومع مرور الوقت تزداد الشدة والأنحطاط، وكأنه لا أمل للأمة للخروج من التيه الذي تعيشه! ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، وفي كل عصر هناك من يرشد الناس للمسير نحو كربلاء، لعلهم يتحركون ولا يكررون مآساة السكوت مرة أخرى، فهم متى تحركوا سيعرفون أن كربلاء هي طريق الحق وألثورة ضد الظلم، وأن كربلاء ليست حادثة وأنقضت، بل هي طريق الأحرار والحرية.
متى أستطاعت الأمة أن تمشي في ركب الحسين (ع) فإن نتيجة كربلاء ستتغير، وبتغيرها سيتبدل حال الأمة لتنعم مجددا بنعمة الهداية من الله. متى وقفت الأمة مع الحسين (ع) ونهجه ستستطيع كسر الأغلال التي وضعها الأعداء لإستعبادها، وعندها فقط ستتحرر وتعود إلى النهج القويم الذي يضمن لها أن تهيمن على باقي الأمم، وتؤدي الدور العظيم الذي أوكله الله إليها، وليس أمامها اليوم سوى هذه الطريق.. فسلام الله على الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى كل من سار على درب الحسين، وعلى الأرواح الطاهرة التي حلت بفناءه، ورحمة الله وبركاته.. هيهات منا الذلة.