المقالات

الدولة الحديثة والدولة السلطانية..!


محمد عبد الجبار الشبوط ||   من زاوية معينة، هناك نوعان من الدول هما: الدولة السلطانية، والدولة الحديثة. والفرق بينهما كبير رغم اشتراكهما في الأركان الاساسية للدولة اي الشعب والارض والحكومة. الدولة الحديثة تقوم بالمؤسسات والدستور والقانون والديمقراطية وتداول السلطة دوريا عن طريق الانتخابات والقضاء والمواطنين والاعلام الحر المستقل والرقابة والمساءلة. وهذه كلها منفصلة عن شخص الرئيس او الحاكم او السلطان. والحاكم شأنه شأن كل المواطنين خاضع للدستور والقوانين.  هذا النوع من الدول حديث نسبيا، ومن هنا جاء وصفها بانها دولة حديثة. وصفة "الحديثة" شيء، وصفة "المعاصرة" او "الحضارية" شيء اخر. لكن الحديث عن الفرق بين هذه الاوصاف خارج نطاق هذه المقالة. لا نجد هذه الاوصاف والعناصر في الدولة السلطانية. فهذه الدولة كما يتضح من اسمها او وصفها متقومة بالسلطان، او حكم الرجل القوي. والسلطان حاكم، وغالبا ما يكون رجلا، غير منتخب، و لا يقيده دستور او قانون او مجلس، ولا رقيب او حسيب او اعلام حر او احزاب معارضة. القران يطلق اسم فرعون على هذا الحاكم الذي سيقول:"أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ"، ويقول: "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ". ويتألف الشعب في الدولة السلطانية من "رعايا"، يعيشون تحت رحمة السلطان ومكرماته. اغلب الدول القديمة دول سلطانية، مثل الدولة الاموية والعباسية والعثمانية و غيرها. وفي العصر الحديث قامت دول سلطانية بملابس فضفاضة حديثة، مثل كوريا الشمالية والاتحاد السوفييتي السابق ومجمل دول الكتلة الشرقية السابقة. وغالبا ما يكون الحكم في الدولة السلطانية وراثيا او بالتغلب.  العراق منذ عام ١٩٥٨ على الاقل محكوم من قبل سلاطين، وليس دولة. السلطان عبد الكريم قاسم والسلطان عبد السلام وعبد الرحمن عارف  والسلطان صدام حسين. فعلى مدى السنوات منذ ١٩٥٨ الى ٢٠٠٣ لم يوجد في العراق دستور دائم، ولا برلمان جاد، ولا رئيس منتخب، ولا تداول سلمي للسلطة، ولا احزاب معارضة حقيقية علنية، ولا اعلام حر. حينما سقط  السلطان الاخير في عام ٢٠٠٣، لم يتمكن المجتمع العراقي من اقامة دولة حديثة، فملأت الفراغ سلطنات فرعية  محلية صغيرة. واغلب هذه السلطنات الفرعية ذات صبغة وراثية عائلية، ولا يعرف عنها انها تؤمن بالديمقراطية، والانتخابات، وتضع نفسها فوق المساءلة وتنصب نفسها وصية على ما تحتها من ناس. ويضاف اليها انها شعبوية بمعنى انها تمنح نفسها حق التحدث باسم الشعب كلها، ولا تتصور وجود شعب خارج دائرتها. ومع ان الناس اجمالا غير سعيدين بالوضع الحالي في العراق حاليا، الا اننا لا نجد تمسكا ملموسا وقويا وواسع النطاق بخصائص الدولة الحديثة، التي لم تطرح كهدف اعلى للناس. صحيح ان بعضهم رفع شعار "الدولة المدنية" لكن لم يتضح ان المقصود هو الدولة الحديثة، انما الدولة اللادينية. وهذا امر بلا مصداق.   وبرغم علو صوت المطالبين بالاصلاح واتساع مساحتهم الشعبية الا اننا لا نسمع اصواتا قوية تطالب بالانتقال من حالة الدولة السلطانية الى الدولة الحديثة، الديمقراطية المؤسساتية الدستورية. وهذا يثير مخاف من ان الدعوات الاصلاحية بدون محتوى اصلاحي. فالمطالبة بالاصلاح شيء، والمحتوى الاصلاحي شيء اخر، وما لم تقترن الاولى بالثانية فاننا في حقيقة الامر لا نسعى الى الاصلاح، او لا نفقه معنى الاصلاح.  تتوفر ارادة اصلاحية  في المجتمع العراقي الان كافية لاثارة الفعل الاصلاحي، لكن يغيب في هذه الاثناء المحتوى الاصلاحي ولهذا يخشى العقلاء ان تؤدي الدعوات الاصلاحية الخالية من المضمون الاصلاحي ضمن مفهوم الدولة الحديثة الى الفوضى والاستبداد والتخريب واعادة انتاج الدولة السلطانية.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك