د. علي المؤمن ||
في ٢٨ صفر ١١ هج (٥ حزيران/ يونيو ٦٣٢م)، تغير وجه الإسلام، رغم احتفاظه بجوهره، إذ لم يكن مجرد يوم شهد واقعة وفاة الرسول محمد وحسب، بل شهد التحول الأهم في تاريخ المسلمين، وهو التحول الذي نتج عنه كل مسارات الانحراف والانشقاق والابتلاء فيما بعد؛ الأمر الذي جعل المسلمين يعيشون تبعات وقائع هذا اليوم وآثارها الى ما لانهاية، أحبّوا ذلك أو كرهوه.
في مثل هذا اليوم قبل ١٤٣٣ سنة، حدث ما يلي:
١- توفي نبي الإسلام محمد بن عبد الله، وانقطع الوحي، وانتهت مرحلة النبوة في واقع البشرية الى الأبد، وبدأ واقع جديد على مستوى الشريعة الإسلامية والدولة الإسلامية ومجتمع المسلمين.
٢- بدأت إمامة علي بن ابي طالب للأمة، وفق وصية رسول الله. ولكن؛ تزامن ذلك مع سلب جزء منهم من مهام الإمامة العامة، وهي مهام الإمامة السياسية، والتي تعارف المسلمون على تسميتها ب "الخلافة"، بمعنى خلافة رسول الله. إلّا أنّ سلب هذا الجزء من مسؤولية الإمامة، لايعني أن الإمام عليّا لم يكن الإمام الديني والزمني بعد رسول الله بلا فصل، بل أن إمامته تحققت حال وفاة رسول الله، رغم أنه لم يكن قادرا على تفعيل الجانب السياسي السلطوي الدنيوي من الإمامة العامة.
٣- بايع عامة المسلمين أبا بكر خليفةً لرسول الله، وتحديداً في الجزء السياسي السلطوي للخلافة، أي القيادة السياسية للمسلمين والرئاسة الفعلية للدولة الإسلامية. وجرت فصول التنصيب في سقيفة بني ساعدة، وهي السقيفة التي شهدت وضع حجر الأساس لانشقاق المسلمين.
٤- انشق المسلمون الى شيعة وسنة، أو بكلمة أدق الى شيعة آل البيت وسنة الخلفاء، فالشيعة هم شيعة علي وآل البيت، الذين يعتقدون أن الوصاية والولاية والإمامة العامة وخلافة الرسول هي منصب واحد يرتبط بالتقدير الإلهي، ولايرتبط باختيار البشر، شأنه شأن منصب النبوة، أي أن الوصاية والخلافة والإمامة والولاية هي توصيفات لحقيقة واحدة ومنصب واحد، ولايمكن تفكيكها، وأن هذا المنصب هو من اختصاص الذين أوصى بهم النبي محمد، وهم علي بن أبي طالب من بعده، ثم أبناء علي وفاطمة حصراً، وأن سنّة أئمة آل البيت هي امتداد لسنّة الرسول، وتنشأ قدسيتها من قدسية سنّة الرسول، أي أنها قدسية دينية وليست سياسية أو سلطوية.
أما السنة فهم شيعة الخلفاء، أي الذين اتبعوا سنّة الخلفاء الحاكمين، واعتقدوا أن سياق اختيار أبي بكر لخلافة رسول الله هو سياق شرعي وطبيعي، وهكذا من جاء من بعده، بمن فيهم خلفاء بني أمية وبني العباس، وان سنّة الخلفاء الأربعة وسيرتهم، وكذا الصحابة، هي مقدسة كسنّة رسول الله؛ فجميع الصحابة عدول، وإن ذبحوا بعضهم، وفعلوا ما فعلوا.
٥- تم وضع قاعدة الفصل بين القيادة الدينية والقيادة السياسية، أي بين الإمامة الدينية من جهة وخلافة السلطة من جهة أخرى، وهو فصل لم يكن موجوداً على عهد رسول الله، الذي كان قائداً دينياً ودنيوياً، والذي أراد أن تبقى القيادة من بعده موحدة في جانبيها الديني والدنيوي، في وصيّه علي بن أبي طالب، وعنوانها الإمامة، والتي تدخل الخلافة جزءاً من مهامها.
٦- تم وضع حجر الأساس لمسيرة محنة آل بيت النبي، بدءاً بمحنة وصيّه علي وابنته فاطمة، ثم محنة سبطيه الحسن والحسين، وبعدهما محن أحفاده أئمة آل البيت وأبنائهم وذراريهم وأتباعهم.
وبالتالي؛ مخطئ من يعتقد ان الحديث عن وقائع هذا اليوم هو اجترار للتاريخ وإصرار على التمسك بالماضي، بل أن هذا اليوم لايزال حاضراً، وسيظل، في واقع المسلمين وأفكارهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم ونظرتهم لبعض، رغماً عنهم، أحبوا ذلك أو كرهوا. وأوضح مشهد على هذه الحقيقة، هو ما ظلت تتعرض له شريحة واسعة من المسلمين، هم "شيعة آل البيت"، من ظلم واضطهاد وتهميش، وهو مشهد لايزال حاضراً بقوة، وهو من افرازات يوم ٢٨ صفر ١١ هج.
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha